الاستثمار في الجودة وذكريات «المسلوق»
مصطلح «المسلوق» عُرف بين أفراد المجتمع السعودي في الثمانينيات الميلادية، واستمر لثلاثة عقود، متصدرًا المشهّد، متفردًا بالمجد، وفي معناه البسيط يأتي من الطعام المطهيّ بطريقة سلّقه بالماء ودون عناء، وكما قال إمبراطور الكوميديا الراحل سمير غانم في وصفه لطريقة المسلوق في رده على النجمة شيرين «أرميّ الفرخة في الأوضة وامليها ميّه، تطلع شوربة»..
الطعام المسلوق لا يتصدر قوائم المطاعم الفاخرة، أو حتى الشعبية، لكنه المسيّطر في غرف الأسرّة البيضاء، شفى الله قاطنيّها، فطريقة تحضيره لا تحتاج إلى «شيف مشهور»، أو «طبّاخة ماهرة»، فقط ماء وإناء، فيخرج طعام بلا طعم، أو رائحة، بل تخطى المائدة ليصل إلى العمل، فأطلق المسلوق على المنتج، أو المحتوى المنجز بطريقة غير مجوّدة، ومن أجل سد بابيّ «اللوم والمطالبة».. واختصرها في «تسكيّت رب العمل»..
هذا المصطلح أصبح سائدًا، وخرج من نطاق المكاتب إلى منتجات تمسّ المتلقيّن والمتعاملين مباشرة مع أرباب المسلوق، فكان لا بدّ من إيقافه، وقطع خطوط إمداده، ولن يكون ذلك إلا بالتجوّيد، فخرجت لنا منتجات في السنوات الأخيرة تحمل في محتواها صبغة «الجودة» فانعكست على حياتنا، محققة مستهدفات رؤيتنا..
الاستثمار في الجودة انعكس على المتلقيّن والمشاهدين في كافة المجالات، فأقبلوا على شباك التذاكر، ومدرجات المسارح والملاعب، وتزاحموا على الحفلات والفعاليات..
الرهان على المشاهد، أو الزائر، أصبح الهدف المنشود للكثير من القائمين على صناعة الترفيه، أو السياحة، أو السينما، وكما يقول المستشار تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه، في لقائه المتلفز مع المذيع عمرو أديب، إن الاستثمار في مفهوم الجودة هو الهدف، ما دفعهم إلى تكوين شراكات كبرى لتقديم أفلام سينمائية سعودية ومصرية تحمل مفهوم «الجودة العالية»، مستدلًا بفيلم «أولاد رزق 3» الذي سجل أرقامًا قياسية، وقبله «سطار»، وغيرهما..
عندما يقصد الزوار شباك التذاكر فهم ليسوا مرغمين على حضور الفيلم، لكن تقودهم إليه «الجودة» في المحتوى المقدم، وهي ما كانت تفتقده في سنوات ماضية بعض الأفلام المحلية والعربية الماضية في زمن «المسلوق»، فأخذت الأفلام الأجنبية النصيب الأكبر من جيوب المشاهدين السعوديين والعرب..
الاتفاقية، التي وقعتها الهيئة العامة للترفيه مع شركة المتحدة والمبادرات المماثلة في الاتجاه ذاته، تصب في تعزيز الناتج المحلي من صناعة السينما، وتسهم في رفع المداخيل المادية، وقبلها تقدم صورة تناسبنا، وتمثلنا، من خلال تلك الأعمال المعلن عنها بتجويد عالٍ، والاستعانة بكفاءات وخبرات قادرة على تحقيق ذلك المبدأ..
حاليًا الفرصة متاحة لكل شخص قادر على الإبداع في مجال السينما، أو ما شابهها، أن يرمي أعماله في أحضان أشخاص باحثين عن الفكرة الإبداعية، وتحويلها إلى منتج ذي جودة عالية..