مسرح الحياة
في البريّة تعيش الحيوانات على طبيعتها، جميعها بسلوك معروف، لا يمكن للنمر مثلًا أن يتظاهر بأكل الأعشاب، من أجل الاقتراب من الحيوانات العشبية، ثم افتراسها، الحيوانات اللاحمة سلوكها واضح للحيوانات العشبية، عالم الطيور كذلك، تعرف الطيور الأصغر أنها فريسة دائمة للصقور والطيور الجارحة، لأن طبيعة الطيور الجارحة لا تتغير، لذا، تبدو الغابة أكثر وضوحًا من حياة البشر، لأن الإنسان قادر على التمثيل، وعلى لعب أدوار لا تعبّر عن حقيقته، لديه قدرة ارتداء عباءات مختلفة، وينزعها بمجرد وصوله إلى غايته. قد يبدو أنيقًا، لا لأنه أنيق بطبعه، لكن دوره الذي يقوم به يتطلب الأناقة المؤقتة، وقد يتحدث عن الأمانة، ليس لأنه أمين، بل لأن لديه رغبة في تصوير نفسه بهذه الصفة، لأجل غاية يريد الوصول إليها. وهو قادر على تبرير تصرفاته تحت مسميات مختلفة، في التجارة على سبيل المثال، ابتكر الإنسان مسمى شطارة بدلًا من الخداع، لأن وقع كلمة مخادع على المخادع مضرة نفسيًا واجتماعيًا، حتى مقولة القانون لا يحمي المغفلين ابتكرها المخادعون لتبرير خداعهم للبسطاء والذين على نياتهم. يقول أحد التجار إن في ثقافة أحد الشعوب الآسيوية أن التاجر الشاطر هو الذي يستطيع خداع زبائنه، وكلما خدع زبائن أكثر، كلما كان ماهرًا أكثر، ويلقى الإعجاب من الناس، مع أن أساس النجاح في التجارة قائم على الصدق والأمانة، لا شيء يُنجح التجارة مثلما تنجحهما الأمانة والصدق، بل إن عدم وجود الصدق والأمانة عند التاجر يسقطان عنه صفة التاجر، ويكون محتالًا.
قبل مدة قرأت مختصرًا عن كتاب لمؤلف أمريكي نسيت اسمه، كان أكثر ما يوصي به هو الوضوح الشديد مع الزبائن، وذهب أكثر من ذلك عندما قال إن ذكر سعر التكلفة الحقيقي ونسبة الربح سيجعلك أكثر مصداقية لجمهورك، وبالتالي يزيد من أرباحك. ربما لا يعجب البعض ما قاله المؤلف، لكنه قال ذلك بعد تجاوز ثروته المليار دولار من خلال الأسلوب الذي أوصى به. يعيش الإنسان حياة واحدة، وهي قصيرة مهما بدت طويلة، ولا قيمة حقيقية لحياة الإنسان إن لم يعشها بشرف وصدق وأمانة، وكل حياة بلا هذه الصفات هي مجرد عبث لا معنى ولا قيمة له.