|


أحمد الحامد⁩
حكايات موظفين
2024-05-21
يصف أحد الظرفاء أعراض انتهاء الراتب كالتالي: «تكون بيتوتيًّا، مع ضيقٍ في المزاج، واضطراباتٍ في النوم، والتحوُّل من مطاعم excuse me إلى مطاعم يا صديق!». وصفٌ دقيقٌ للأعراض التي تصيب الشخص «الطفران»، لكنْ هذا الطفران، هو نفسه وليس غيره بمجرَّد وصول رسالةٍ من البنك، تُعلمه بوصول الراتب، يتحوَّل في ثوانٍ إلى شخصٍ متفائلٍ، ومبتسمٍ، ويضحك من نصف نكتةٍ، وأرستقراطي، ويتهرَّب من الاختلاط مع المتشائمين!
هل يفعل المال كل هذا؟ بالتأكيد نعم. ليس لأن المال حلَّالُ مشكلاتٍ فقط، بل ولأن «الطَفَر» جلَّاب مشكلاتٍ أيضًا، والابتعاد عنه يجنِّب الإنسان أنواع الكآبة، ويبعد عنه الأفكار المصنَّفة ضمن فئة الهذيان.
أعتقد أن الوقت حان لتعليم إدارة شؤون الراتب ضمن مناهج التعليم، فلا يمكن أن نتعلَّم الرياضيات، والعلوم، والجغرافيا، ثم نحصل على وظيفةٍ، ننفق راتبها في النصف الأول من الشهر!
لو أجريت دراسةً على الموظفين لوجدت أن نسبة 70 في المئة منهم يعانون من سوء إدارة رواتبهم، وضغوطاتٍ نفسيةٍ نتيجةً لذلك. كان أحد الزملاء في لندن يتحوَّل إلى حكيمٍ زاهدٍ في آخر عشرة أيامٍ من الشهر، ويطلق لحيته، ويدخِّن التبغ الذي يُلفُّ يدويًّا لانخفاض ثمنه، وبمجرَّد دخول الراتب في حسابه، ينقلب إلى شخصٍ مبذِّرٍ، وكأنَّه لم يعانِ في الأيام الماضية! لم ينقذ هذا الزميل سوى زوجته الحكيمة التي عانت من سوء إدارته راتبه في الأشهر الأولى من الزواج، فحملت حقائبها، وذهبت إلى بيت والدها، ولم تعد إلى بيت الزوجية إلا بعد تعهداتٍ وضماناتٍ بتسليمها الإدارة المالية. يروي الزميل عن ذكريات سوء الإدارة: "في إحدى المرَّات عانيت في آخر عشرة أيامٍ من الشهر معاناةً شديدةٍ، وكنت من النوع الذي لا يحبُّ أن يقترض مالًا من أحدٍ. قضيت تلك الأيام على الكفاف، لكني حافظت على مظهري العام، وعندما نزل الراتب، توجَّهت فورًا إلى مطعمٍ فاخرٍ، ثم وجدت إلى جانبه محلًّا لبيع الساعات، فاشتريت ساعةً على الرغم من امتلاكي أخرى! كما اشتريت عطرًا فاخرًا مع امتلاكي عددًا من العطور، واشتريت ملابسَ دون حاجتي لها! أيضًا اشتريت لابن صديقي سيارةً كهربائيةً صغيرةً! كل ذلك في يومٍ واحدٍ! كان صوتٌ في إذني يهمس حينها: اصرف، اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب. كانت بقية أيام ذاك الشهر الأكثر إيلامًا وهذيانًا، لأني وعند منتصفه، أصبحت أقترض المال لأسدِّد الفواتير المهملة بعد انقطاع الكهرباء والإنترنت». انتهت حكاية الزميل عند هذا الحد. صدِّقوني، كنت أروي حكايته، ولا أقصد نفسي، فلم تنقطع الكهرباء عني يومًا لعدم تسديد فاتورةٍ، انقطع الماء!