2018-02-22 | 03:41 مقالات

الحشرة الضئيلة في الرواية الجميلة!

مشاركة الخبر      

يمكنك هجران كل نساء الأرض تقريبًا، لكن لا تقل أنك قارئ روايات جيّد، فيما لو لم تستثن من النساء اثنتين: مدام بوفاري لفلوبير، وآنا كارينينا لتولستوي!.



ـ في كل عمل فنّي خلّاق، مثقل بخفّته، مهما كان نوع العمل، قصيدة أم لوحة أم مسرحية أم رواية، أيًّا كان نوع العمل، ومهما كانت حكايته، تتوالد مرايا!. بأشكال مفاجِئة حتى وهي مُنْتَظَرَة ومُتَوَقَّعَة!. عشرات،.. مئات، مرايا واقع ومرايا أحلام، سعيدة وراعِبَة، مفرحة ومفزعة!.



ـ شيء ما "صغير" يلتقيك عند عتبة كل باب، هو داخل.. أنت خارج، هو خارج.. أنت داخل!. شيء منك.. شيء فيك.. تحبه أو تكرهه، يواجهك، تلتقيه، فإن كانت جماليّة الفن تكمن في الفن نفسه، فإن أهمّية الفن تكمن فيك!.



ـ مع فلوبير في مدام بوفاري، ومع تولستوي في آنا كارينينا، تعيش تدفّقات أبعد وأعمق من الحكايتين بكثير، وفي النهاية: لا شيء يمكنه تشويه وسامة رجل مثل كرامةٍ مُهْدَرَة، ولا جمال امرأة مثل تعبير حاقد!.



ـ المكتبة العربية كانت محظوظة بترجمة محمد مندور لرواية "مدام بوفاري"، أديب كبير، حَرَم كل مترجم بعده من التساهل!، وفيما يخص أمثالي ممن لا يقرؤون بغير العربية، صارت هذه الترجمة مقياسًا لجودة ما بعدها!.



ـ على النقيض من ذلك كان حظ رائعة تولستوي "آنا كارينينا" في الترجمة: شُرِّحت للتعليم المدرسي في ترجمة الاشتراكيين الذين نصّبوا أنفسهم حرّاسًا على تركة تولستوي، وللأسف: هَجَره الجميع لهم، صاروا ورثته!.



ـ في الأعوام الأخيرة فقط، ظهرت ترجمات ذات قيمة فنيّة!. ترجمة لعلي شيري، وأخرى لصياح الجهيّم، فإن حكَمْتُ بذائقتي وفهمي قلتُ: ترجمة صياح الجهيم هي الأفضل، الأفضل بمراحل!.



ـ شيء ما صغير، يبدو تافهًا، لكنه يكشف أمر العناية بالترجمة وفهم الطبيعة الروائية: في القسم الرابع من الرواية في الترجمتين، تظهر حَشَرَة صغيرة "عثّة" في ترجمة صالح الجهيم، في حين لا وجود لها في ترجمة "علي شيري"!، يبدو أن علي شيري أهملها في لقاء "ألكسي ألكسندروفتش" بالمحامي، لكن صياح الجهيم انتبه لأهميتها، وجودها في مكتب المحامي لحظة اللقاء، الكاشف لضَعْف وأسرار الموكِّل، كانت لفتة رائعة من تولستوي، طريقة صفق المحامي للحشرة بين يديه، توزيع موسيقي عبقري للقبض على فضيحة وانهيار!.



ـ الرواية ليست حكاية وحوارات فقط، بل إن هذا هو أدنى ما فيها، خاصةً الروايات العظيمة!.



ـ وكما أنه يمكن للقشّة، في لحظة ما، أن تقصم ظهر البعير، فإنه يمكن لحشرة ضئيلة، في رواية ما، أن تَقْسِم طُهر العبير!.