حبيب ومنزل!
.. تَحْمِل اللواء، أن تكون الأول، حيث نصف الطريق وللآخرين مجتمعين نصفه الآخر!، هذه أمنية من أربع أمنيات للشاعر، لكل ولأيّ شاعر على وجه الأرض.
ـ بالعربي، أن تكون "امرئ القيس"!. كُتب الشعر قبله، لكن وكأنه لم يُكتب إلا لتهيئة المكان له، لا تعرف العربيّة قبله شاعرًا بأهم صفتين للشاعر: الحكاية والنموذج!.
ـ كان امرئ القيس أول شاعر عربي له حكاية، حتى إنه لُقِّب بحكايته: "الملك الضِّلِّيل"!، الفتى الباحث عن تاجه المفقود، وفي حكايته توزيعات موسيقية، متآلِفة بانسجام، يدعم البناء العام، ويثريه حتى، وبالذات، عبر انزلاقاته وانفلاتاته، وصعوده وانحداره، حيث الغايات الكبيرة والمَشيْ "البَطّال"!.
ـ تاريخيًّا، يُظنّ أن هذه الحكاية سابقة على نموذجه الشعري. فنيًّا لا يمكن اعتبار حكاية "الملك الضِّلِّيل" إلا سجّادة، كان يمكن إهمالها تمامًا، لولا أنّه خلق فضاءً شعريًّا، أتاح لسجّادة الحكاية هذه أن تصبح سحريّةً، ما إن يجلس عليها السُّمَّار حتى تطير بهم في فضاءات أشعاره الرحبة!.
ـ أوّل من علَّق سامعيه بين السماء والأرض في الشعر العربي كان امرئ القيس، ولعلّي أطرح هذا التفسير للمرّة الأولى، زاعمًا أنه قد يكون السبب الخفي، المحسوس غير الملموس، لتسمية "المُعلّقات" بهذا الاسم أصلًا!.
ـ معلّقة امرئ القيس، صارت نموذجًا، دويّ الرعد منها يُسمع إلى اليوم، يكفي أن أعظم قصائد الشعر الحر، من السيّاب إلى محمود درويش، وغيرهم، لا تكاد تبدأ بغير الغَزَل، قبل أن تهيم في وديان أخرى: "عيناكِ غابتا نخيلٍ"، "أعدّي لي الأرض كي أستريح فإني أحبك..."!. يمكننا بسهولة ربط كل هذا بأشهر المطالع: "قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل"!.
ـ كانت أشهر جملة تقال لنا: يا للعجب، بكلمتين فقط، وقف وأوقف وبكى واستبكى!. وأظن أنه تم تجاهل أعظم ما في الشطر!.
ـ لقد حدد امرئ القيس مسيرة وجغرافيا وجدان الشعر العربي!. أولًا: المسيرة، حيث نقطة انطلاق القصيدة العربية من المرأة إلى ما بعدها؛ الأمر الذي كشف، أو أتاح كشف، الأنوثة في كل شيء، في النخل والبحر والوطن والمنفى والحزن والفرح والهجران واللعب، وحتى في رصاصة الموت!.
ـ ثانيًا: جغرافيا القصيدة العربيّة، وبكلمتين أيضًا: "حبيب" و"منزل"!.
ـ وأعتذر، لم تتسع المساحة للحديث عن الأمنيات الثلاث المتبقيّة التي أظن أنها حلم كل شاعر!. ولا أدري متى يروق الجوّ، فأكتب عنها!.