أدراج وإدراج!
به من الجهل ما به، هذا الذي يظن أنه بالإمكان وضع الناس في أدراج مُغلقة، أو حتى مفتوحة، مكتوب على كل منها تصنيف خاص لكل واحدٍ منهم، لبشريّته ونهجه، تصنيف قاطع الحُكم، دائم!.
ـ يقرأ أحدنا رواية لنجيب محفوظ، يقرأ "أولاد حارتنا" تحديدًا، فيجد فيها نمنمات روائيّة مُذهلة، وصياغة أدبيّة سابِيَة الحُسن، فيُرمى بالإلحاد!. على أيّ أساس، لا تدري!. يُصلّي الفرائض، يصوم، يُزكّي ويتصدّق، وينطق بالشهادتين صباح مساء، لكن كل هذا لا يكفي!. وَضَعَه صاحبنا في درج الخزانة المُلصَق عليه بخطٍّ سيِّئ: مُلحِد!.
ـ يرى أحدنا أن قيادة المرأة للسيارة أمر أكثر من طبيعي، وأن السينما وسيلة ترفيه بريئة، وأنّ الموسيقى فن عظيم، فيحشره صاحبنا في الدرج المكتوب عليه من الخارج بخطّ أسوأ: "ليبرالي"!.
ـ أدراج.. أدراج: "صوفي"، "سلفي"، "علماني"، "متصهين"، "رجعي"، "مُطبِّل"، "حاقد"، "رويبضة"!، إلخ.. إلخ..!.
ـ تَفتَح الأدراج، تلتقي بمن حُشِروا فيها، تلقى العجب: معظمهم، غالبيّتهم، كان يمكن لهم أن يُحشروا في أدراج ذات تصنيفات أخرى، فيما لو تقدّم أو تأخّر ذلك "الحِشَريّ" الحاشر، لحظةً واحدةً!.
ـ كل ما في الأمر أنه التقاهم عند نقطة محدّدة، مُجْتَزَأَة من السياق، ولأنّ صاحبنا ليس لديه الوقت الكافي لمرافقة أيّ واحدٍ منهم مُدَّة أطول، أوقف الزمن وأعلن الحكم، وفتح الدرج وأغلقه!.
ـ صاحبنا "الحِشَرِيّ" الحاشر، معذور!، ليس لديه الوقت الكافي للتصوّر، يكتفي بالتصوير!.
ـ لا يُطيق صبرًا!، والحياة كما تعلمون قصيرة، وخلق الله كثير، لا يكفي عمر واحد لمتابعة اثنين منهم!. وهو يرى أنه مسؤول عن تصنيف أكبر عدد منهم، وقد "دَوْكَرَ" مخه على شكل أدراج، لها مفاتيح وعليها ملصقات، حتى إنّ لديه أدراجًا بملصقات عليها عناوين جديدة، لا تزال فارغة.. يا ظَلَمَة!.
ـ ما أظلمكم أيها الناس، تريدون منه التريّث ولديه مثل هذه الصناديق الفارغة، غير المأهولة بالسّكّان بعد؟!.