والعكس صحيح!
ما الذي يفعله فتح كل المجالات الفنيّة لكل مجال منها على حِدَة وانفراد؟!، يفعل الأعاجيب، يجعل هذا المجال أطيب وأنقى!. والعكس صحيح!.
ـ ما الذي يفعله للشعر، فتح بقيّة المجالات: الرسم، الغناء، النحت، المسرح، التمثيل والتأليف السينمائي والإخراج، القصة والرواية، وكل نشاط رياضي أو فعالية اجتماعية، مثلًا؟.
ـ ظنّي: يفعل، أول ما يفعل، تخليص الشعر من مواهب زائفة فيه، قد تكون أصيلة في غيره!. لكن ولأنّ الشعر كان هو المجال المتاح، الوحيد، أو الفارق بشكل واسع عن البقيّة، فقد لَجَأ إليه كثير من اللاموهوبين فيه، الموهوبين في غيره، حتى قبل أن يختبروا صلابة وجديّة ونتائج موهبتهم ومهاراتهم فيما كانوا موهوبين فيه فعلًا!.
ـ لماذا أقول "فيما كانوا موهوبين فيه"؟!. لأنني أظن أنّ الموهوب في شيء، ما إن لمْ ينتبه إليه، في الوقت المحدّد، ما إنْ يتجاهل موهبته، يغفلها أو يتعامى عنها، وبالذات إنْ هو هجرها إلى فن آخر، لا علاقة حقيقية له بموهبته تلك، فإنه يصعب بعدها استدراك الأمر، وفي الغالب لا يصير مبدعًا فيما ذهب إليه، ولا يعود موهوبًا فيما تَرَك!.
ـ لوهلةٍ أولى، يبدو أن الاهتمام الرسمي، والدفع الحكومي، على وباتِّجاه مجال واحد، مُناصَرَةً لهذا المجال، مفيدةً له، غير أنّ الأمر يأتي غالبًا بنتائج أقل امتنانًا لمشاعر تلك الوهلة الأولى!.
ـ رغبة الإنسان في أنْ يكون "مشهورًا"، رغبة طيبة في أصلها حتى تكاد تكون غريزة!.
ـ خُلِقَ الإنسان ليَعرِف وليُعْرَف!. أنْ يُعرَف ذلك طموح!. وأنْ يشتهر ذلك طمع!. لكنه طمع يمكن طيّه في حساب النزاهة أيضًا!. يمكنه الحفاظ على بقائه بريئًا، ما لم يتلوّث بعدد وافر من تحايلات العُقَد المُتباغضة والمصالح المتناقضة!.
ـ نرجع للشعر مثلًا، متى ما غابت كل مجالات الفن الأخرى، ولم يتبق للناس غيره مجالًا، تشهد النظرة الأولى، الخاطفة العابرة للأمر، بأنه مناصرة ومؤازرة للشعر، لكن الأمر ليس كذلك، وما يحدث هو التالي:
ـ يكثر الشعراء ويقل الشعر، يتقدم الجميع نحو نموذج موحّد يضمن السهولة ويؤكد أحقية الجميع بالدخول وبالبقاء!. ينزوي الشاعر الحقيقي وحيدًا، يكتب سِرًّا، يصمت أو يكاد؛ لأنّ الكثرة قررت اعتبار صوته نشازًا!.