كَوْمَة صُدَف!
يشعر قارئ الكتب، طول الوقت، بتقصيره، وبأنه لم يقرأ بعد ما يجب قراءته منها. يشعر بما هو أكثر من التقصير، بالنقص!.
ـ وبأنّ أشياء جميلة كثيرة مخبوءة، ينتظرها وتنتظره دون أمل بمواعيد لُقْيا. وأنّ ماضيه مع القراءة ليس إلا كَوْمَة من الصُّدَف، جميلة نعم، جميلة في الغالب، لكنها أبدًا ليست مواعيد!.
ـ وأنّ العُمر يجري بما لا يسمح لتوافيق الصُّدَف باستمراريّة سُلْطتها على علاقاته القرائيّة!.
ـ روايات رائعة لم تُقرأ بعد، كتب فلسفية وثقافية مدهشة لا يعرف عناوينها، لكنه متأكّد من وجودها في مكان ما، دواوين شعر هطّالة عجَب ودهشة قريبة منه، لامَسَها، أو كاد، على رَفٍّ في مكتبة ما. مَرَّ من أمامها وقد كانت ملقاة على رصيف، ناداه بائعها، ونادته، لم يسمع ولم ينتبه!.
ـ حتى مكتبته، مكتبته الخاصة، تضم كتبًا لم يقرأها بعد، رغم أنها كُتِبَت لأجله، صيغت له بعناية، بل وصلت إلى حيث يجلس ويَدُور، وبالرغم من ذلك!.
ـ يشعر بذلك كله، يتحسّر، هذه هي واحدة من أطيب حسرات حب القراءة، لكنها حسرة حقيقيّة، وهي أطهر وأصدق بكثير من تلك الحسرة التي يظهرها بعض القرّاء بسبب الرقابة مانعة الكتب!.
ـ كثيرًا ما تكون الحسرة على الكتب الممنوعة رقابيًّا، مَحْشُوَّة بقشّ مزايدات، واستعراض عضلات فارغ!.
ـ أتحدث عن حسرة في كبد كل قارئ حقيقي، تذبحه فكرة أن الوقت لا يتسع لصداقة كل الكتب التي وُلِدَ كتّابها، لخطّها، من أجله، وأنهم نجحوا في ذلك، قاموا بكل ما يتوجّب عليهم القيام به، ولم يتبق من الأمر إلا أن يقوم هو بدوره، ويقرأها، لكنه لم يفعل!.
ـ لم يفعل، ليس لأنه قرر الانشغال بأمر آخر، لا!. لكن لأنه اختار قراءة كتب غيرها، كثير منها صُنِع للجميع وليس له وحده!.
ـ وما يُصنع للجميع يصلح للخدمة وليس للصُحْبَة!.
ـ وفي هذه الجُملة الأخيرة، يكمن الفرق بين الجريدة والكتاب!.