2018-02-03 | 04:03 مقالات

ثلاثة ورابعهم هتلر!

مشاركة الخبر      

ـ كان آينشتاين في الخمسين، يوم صَكّ هازينبرج مصطلحه المزعج "مبدأ الريبة"، الذي هدم به أحلام وجزءًا من كرامة آينشتاين!.



ـ لشرح "مبدأ الريبة" لا بد لي من الاتّكاء على "جحا" وطريقته في الوصول إلى "أُذُنِه" في النُّكتة الشهيرة!. سأحاول تعريف "المذهب الحَتْمِي"، ثم أقول إن "مبدأ الريبة" هو نقيضه!.



ـ باختصار شديد، يقول المذهب الحَتْمي بإمكانية المُفكِّر، فيما لو أنه عرف كل قوانين الطبيعة، النجاح في صياغة مُعادَلة كونيّة واحدة مُكثَّفة، تضبط حركة الكون بكل ما فيه، لدرجة يمكن معها التنبؤ بالمستقبل!. لدرجة أعلى قليلًا: المستقبل يصبح معروفًا شأنه شأن الماضي، وماثِلًا شأنه شأن الحاضر!.



ـ كان آينشتاين يحلم بالوصول إلى هذه المعادلة، وليس هناك أي دليل على تراجعه عنها، حتى موته لا يُعدّ دليلًا، حَدّه فيما لو "تَعَنْجَه" أنْ يكون دليلًا على فشل آينشتاين لا عن تراجعه!. 



ـ هذا لا يعني أنّ مبدأ الريبة لم يُربك أعظم مخ علمي بشري؛ لأن هازينبرج بمبدئه أغلق وأقلق!. حتى لو تم الوصول إلى هذا المستحيل الذي هو معرفة قوانين كل شيء، فإنه لا يمكن الوصول إلى معرفة المستقبل ولا التّنبّؤ بما سيحدث!. هذه خلاصة مبدأ الريبة!.



ـ ويدخل "نيلز بور" على الخط، بور الذي أحبه آينشتاين كثيرًا وظل معجبًا به على الدوام، بور الذي قال عنه هازينبرج: "سيرتي العلميّة لم تبدأ إلا بعد أنْ جلست معه في مقهى واستمعت إليه"!. يدخل ليربك العالِمَين الجليلين بتهويمات صُوفيّة فلسفيّة فيزيائية رياضيّة، وليبدأ الثلاثة حكاية صراع علمي فلسفي، فكري وحسابي، صراع مجهر في مختبر وتأمّلات في عقل وعاطفة في قلب، وبلاغة في لسان أيضًا!.



ـ في النهاية، التي لم يعترف بها أحد من الثلاثة، لقناعتهم العلمية بأن كل شيء يمكنه أن يتجه للصفر لكن لا شيء يصل إليه!. وبعد كل الأرانب التي أخرجوها من قُبّعاتهم، يتنهّد هازينبرج: "الحقيقة نفسها مجرد احتمال!". يطقطق بور أصابعه: "لا سبيل لاستخدام اللغة إلا على طريقة الشعر!". ويصيح آينشتاين: "أُفضِّل أنْ أكون إسكافيًّا، بل عاملًا في نادٍ للقمار، على أنْ أكون فيزيائيًّا!".



ـ كانت تلك هي الحرب الشريفة التي زامَنَتْ حروب هتلر!. عاَنَتْ الأمَرّين. حاول كل من الثلاثة تجنّب دنسها، هذا بمراوغة وهذا بمناورة وهذا باختباء وهروب، ولم ينج أحد من مذلّة التنازلات على تفاوِت الدرجات!. في لحظةٍ ما، كان يمكن لأيٍّ من الثلاثة النظر في عَيْنَيْ صاحبيه بملامةٍ تكسرهما!.



ـ حكاية الثلاثة. المتواضع إلا في علمه "هازينبرج"، والبطيء الغامض الصّوفي لاعب كرة القدم "بور"، والمغرم بالأفكار البسيطة ذات المضامين الهادفة "آينشتاين"، الثلاثة الذين في خزانة كل واحد منهم جائزة نوبل، والذين أصبحت الفيزياء بعدهم صعبة حتى على الفيزيائيين، بل بالذات على الفيزيائيين!، تُروى برشاقة أدبية باهرة في كتاب "مبدأ الريبة" لديفيد لندلي.