الدائرة الضيّقة
عملت في مسيرتي الطويلة تحت رئاسة عدد من الأمراء والوزراء والرؤساء والمديرين، وكنت في كل مرة أجد رئيس الهرم مطوّقًا بفريق عمل صغير لا يتجاوز عدده أصابع اليدين، تناط به معظم الشؤون الإدارية والمالية في القطاع، ويمكن القول إن هذه المجموعة تشكل حجر الزاوية في عمل القطاع، ويرتبط النجاح والفشل بنجاح وفشل هذه "الدائرة الضيّقة".
المشكلة الأولى أن تلك المجموعة الصغيرة تريد أن تتملك صانع القرار فتحاصره في جميع الأوقات والأماكن؛ لتكون يده ولسانه وسمعه وبصره وجميع حواسه؛ فيصبح لا يرى ولا يسمع إلا من خلالها، فتنقل له ما تريد بطريقتها الخاصة وتحجب عنه ما سواه، ومع مرور الوقت يزداد تأثيرها فينتقل القرار الحقيقي والمؤثر من يد صانع القرار إلى يد "الدائرة الضيّقة".
والمشكلة الثانية أن تلك المجموعة الصغيرة تخاف المنافسة فترفض بشدة دخول أي عنصر جديد يمكن أن يعجب صانع القرار فيحظى بالقرب والثقة؛ ولذلك تحرص على تغييب الحقيقة وربما تشويه صورة العناصر الجديدة خوف وصولها إلى رأس الهرم ودخول "الدائرة الضيقة".
والمشكلة الثالثة أن تلك المجموعة تصغر ولا تكبر؛ لأن بعض الأعضاء يعرفون أن منفعتهم تزداد بتناقص عدد المستفيدين، وبالتالي نلاحظ خروج الحلقة الأضعف تلو الحلقة الأضعف من تلك السلسلة التي توصد الأبواب وتغلق الأدراج وتسيطر على القرار، ومع مرور الوقت يتناقص العدد وتزداد السيطرة وتزداد معها مناصب ومسؤوليات أعضاء "الدائرة الضيّقة".
أما المشكلة الأكبر فتتعلق بمدى تغليب تلك المجموعة الصغيرة لمصالحها الخاصة على المصلحة العامة "مصلحة الوطن"، وهنا تقع الفأس في الرأس بتضارب المصالح المسمى: "Conflict of Interest" الذي يتسبب في انتشار الفساد؛ لأن جميع القرارات والمشروعات والتعيينات والترقيات وغيرها تصبح حكرًا على ما يحقق مصالح تلك "الدائرة الضيقة".
تغريدة tweet:
ما تقدم لا يعني إدارة معينة أو قطاعًا دون غيره، بل هي حالة عامة توجد حيثما وجد الرئيس الذي يرتبط نجاحه بنجاح "المجموعة الصغيرة" التي تسيطر على مفاصل القرار في القطاع الذي يديره، لتبقى فطنة صانع القرار في معرفة صلاح أو فساد "الدائرة الضيّقة" هي المؤشر الحقيقي للنجاح أو الفشل، ويقيني أن كل مسؤول ناجح كان قد نجح في اختيار دائرته الضيّقة فنجح معهم وبهم، وعلى منصات الدائرة الضيّقة نلتقي،،