2018-01-25 | 04:44 مقالات

للقراءة والنسيان .. اتفقنا؟!

مشاركة الخبر      

ـ في داخلي، وبيني وبين نفسي، أنا مؤمن بموهبتي، وبأنّ لدي ما أقوله، وبأنه مهم، وبقدرتي على قوله بأسلوب جميل!. لكن ولأنّه من المخجل البوح بمثل هذه الأمور، فإنني أرجوكم نسيان ما سبق، وكأنه لم يُكتب أبدًا!.



ـ أتخيّل بسهولة من يسأل متعجّبًا أو مُنْكِرًا: ولماذا كتبت، ونشرت ما كتبت، طالما أنك ترجو ستره وتطلب نسيانه؟!. جوابي: سامحك الله، رجوتك أن تنسى لكنك لم تفعل!. حسنًا: أردت اختبار درجة أعلى من المصارحة والصدق!. تجريب حالة أكثر حميميّة وأمانًا مع القارئ ومن خلاله!. فكّرت في إمكانيّة عدم الحذر من الآخَر، حلمت في أُمومة المعاملة!.



ـ عندما أستعيد أكثر من ثلاثين سنةً في عالم الشعر والكتابة، أكتشف أنني كنت مغروراً بموهبتي على نحو لا يسمح لها بغير الاستمرار!. لكنني عندما ألتقي مع بداياتي المبكّرة، وفيما بعدها بقليل أو كثير، يتأكد لي أمر آخر عجيب، يقلب الطاولة رأسًا على عقب: لست مغرورًا بموهبتي، أنا موهوب بغروري!.



ـ أكتم ذلك وأُنكره، وأستحي منه، وأحاول التخلّص منه، وفي كل مرّة أفشل!. جرّبت كل ما يمكن لي تجريبه من وسائل وطُرُق، والمصيبة أنني كلّما حققت تقدّمًا في إحداها، أصبح أضعف وأقلّ حيلةً وتمكّنًا من العمل، لا أكاد قادرًا على إنجاز ما يروق لي، وما يُرضيني داخليًّا، حتى لو كان وهمًا!.



ـ قلتُ أجرّب مصالحة غروري، أعترف له بفوائده، أُقرّ له بما يستحق: في الفن والأدب، وأثناء العمل تحديدًا، لا يمكن للتواضع أن يكون نافعًا في شيء!. الذين يرضون بالقليل لا يتحقق لهم حتى هذا القليل!.



ـ والشاعر الذي يكتب قصيدة ويدري أنها متواضعة لكنه يقول في نفسه: أنشرها للحضور، وفيما بعد سأكتب أفضل منها، لا يكتب عادةً أفضل منها أبدًا!. الشعراء العظام لا ينشرون أعمالهم ويقولون: "يا رب تكون جيّدة"!. ينشرونها لأنها أكثر من رائعة، ويتمنّون فقط أن تلاقي ما تستأهله من استحسان، بمعنى: "يا رب أن يكون القارئ جيدًا بما يكفي لها"!.



 



ـ والذي يكتب روايةً ويتساهل فيها، بحجّة أنها روايته الأولى، وأنه فيما بعد سيتمكن من كتابة رواية أكثر تماسكًا، وأعظم فنًّا، يظل روائيًّا سيّئًا طول عمره!. هذا لا يتعارض مع عمليّة النضج، ونعم ما يُكتب فيما بعد يكون أكثر جودةً بالنسبة للمبدعين، لكني على ثقة بأنهم جميعًا، حين كتبوا، وكلّما كتبوا، يعيشون لحظات فخر مَرِحَة، لحظات انبساط، وإعجاب، بما يقومون به. حالهم حال النّحات الذي ما إنْ انتهى من منحوته حتى طلب منه أنْ يتكلّم!.



 



ـ "خَلَصْنا"؟!. انسوا هذه المقالة!.