2018-01-20 | 03:41 مقالات

خِفّة الظِّل!

مشاركة الخبر      

 

 

 

 

 

أعترف: هناك شعراء وكُتَّاب وفنّانون ونجوم رياضة وغناء، أدري وأُقِرّ بأهميتهم، وأحترم وجودهم ونتاجهم، لكنهم لا يدخلون قلبي، وليس فيهم من يستهويني!. ومن أجلهم أحتاج دائمًا إلى صفقة، إلى ما يشبه إبرام صفقة مع عقلي؛ للشهادة لهم بوجود جَلَل، وكلّما فعَلْتُ، قلبي يُبْطِل الصفقة سريعًا، يَدُكُّ المعاهدة دَكًّا، ويحكم بوجود خلل!.

 

ـ قلّبتهم يمينًا وشمالًا، لم أجد فيهم عيبًا يمكن طرحه أو شرحه، فقط هم يثقلون على قلبي!. لا أقدر على هضمهم!. قلّبتُ أمري كلّه فلم أجد في ذائقتي استقامةً أطيب من مَيْلها نحو خِفّة الظِّل!، واستحييت من نفسي، وأرعبَتْني فكرة أنْ أظلم ذائقتي، فلم أتّهِم وجداني بالتعسّف في أمرهم!.

 

ـ خِفّة الظِّل، ليست هي الفكاهة، دون أن يكون في هذه الـ "ليست" نفيًا ولا طردًا، ولا حتى إنكارًا لوجود وأهمية حِسّ الفكاهة في كل ما هو خفيف ظِلّ، فقط أقول هما ليس الشيء ذاته؛ فالفكاهة من نتائج خفّة الظل، لكنها ليست النتيجة الوحيدة. كلّ فتّان رشيق بَهِيّ غَضّ نَضِر طيّب، وكل وسيمٍ وكل مليحٍ، من نتائج خِفّة الظل أيضًا!.

 

ـ لا أتحدّث عن التهريج والبهرجة الكذّابة، بل يمكنني طردهما من المكان، إذْ ليس أثقل من ظلّهما شيئًا!.

 

ـ خفّة الظِّل يمكن لي تبيّنها في ظمأ السيّاب، وفي مآسي شكسبير، وفي نسبيّة آينشتاين، وفي حارة نجيب محفوظ، وفي مَضْرِب تِنِس فيدرر، وفي خطبة الجمعة للشيخ الكلباني، وفي تمريرات أنيستا، وفي حماسة تعليق فارس عوض، وفي سينما داود عبدالسيّد، وفي أضواء موسيقى ياسر عبدالرحمن الشاردة، وفي تبويب مجلة ناشيونال جيوغرافيك، وفي تحليلات وبحوث عبدالعزيز الخضر، كما يمكن لي شمّها في عطر، أو رؤيتها في لوحة، أكثر بكثير مما يمكن لي تبيّنها والإحساس بها في معظم الأفلام والمسلسلات الكوميديّة!. دعك من البرامج التلفزيونية المصنوعة أصلًا لاستخفاف الدم، والحضور التهريجي لنجوم السوشال ميديا، هذه خارج الحسبة نهائيًّا، تناولها هَدْر!.

 

ـ خفّة الظِّل لا تعني غياب الرزانة، وهي لا تهاب التعمّق أبدًا، وهي أطهر من أن تكون بجاحة، مع أنّ فيها ما فيها من روح التلصص من ثقب الباب!.

 

ـ بالنسبة لي كقارئ، كمتلقٍّ عمومًا، أحبّ خِفّة الظِّلّ، ليس فقط لأنها تمتعني، رغم كفاية هذا السبب!. لكن أيضًا؛ لأنها تُشركني في العمل، تجعلني أحد صُنّاعه، تجعل من رَدّة فعلي جزءًا من اللحن، جزءًا منه وليس نتيجة له، إنني في الصميم من قلب الجُملة والمشهد، لا النقطة الأخيرة على السطر!.