الإعلام والأدب وقلّة الأدب!
بعد دافينشي صار يمكن لأقل موهبة أن يرسم الموناليزا، أنصاف موهوبين يرسمونها بحذافيرها!؛ هذا يعني أنه ليس هناك غير دافينشي واحد، ومنك أيها المقلِّد كثير!.
ـ مشكلة المُقلِّد أنه يمتلك مهارة وليس موهبة!.
ـ وكثيرًا ما تكون هذه المهارة حَسَنة، وتستأهل التقدير، لكن المُقلِّد يريد تقديرًا لموهبته لا لمهارته!، للمفقود لا للموجود!. من هنا يبدأ الافتئات؛ فيبدأ تدهورًا أخلاقيًّا، يصعب على الآخرين تحاشيه أو تحييده!.
ـ المسألة تتخطّى الحَسَد. المُقلِّد لديه ثأر لا يقدر على الاعتراف به أمام الناس، ولا يقدر إلّا على الاعتراف به أمام نفسه!؛ لذلك يكره نفسه!، فهي فضيحته!.
ـ ولأنه يكره نفسه فإنه لا يبالي بانحداراتها الأخلاقية، يعرف أنه يخسر لكنه يستمر، مثل لاعب قمار، لا يعترف بإدمانه، يحيل الأمر كله إلى رغبة في تعويض خسائره!، يقول لنفسه: أستعيد مالي وينتهي الموضوع. لكن الموضوع لا ينتهي، ليس فقط لأنه لن يستعيد شيئًا، لكن لأن نفسه تقول له: لا مال لك أصلًا لتستعيده، كان مسروقًا!.
ـ يعيش المُقلِّد، ويتمكّن من حشر اسمه في فضاء الإعلام، وليس في فضاء الأدب!.
ـ لكن الإعلام جسر مهم بين الناس من ناحية وبين الفن والأدب من ناحية أخرى، وكثير من الناس يظن أن الفنون والآداب تسكن الجسر ذاته، تقيم فيه وتتحرّك في حدوده، ولا مكان لها سواه!.
ـ قلّة قليلة من الناس، تعبر الجسر!. الغالبية تكتفي برياضة المشي عليه ثم ترجع من حيث أتت!.
ـ الناس على الجسر تلتقي بملصقات تحمل أسماء فنانين وأدباء حقيقيين، لكنها عادةً لا تلتقي بأحد منهم، أو تلتقيه صدفةً ولوقت قصير!. في حين يمكن لهذه الغالبية من الناس أن تجد من المقلِّدين والزائفين من تريد وما تريد!. وأنْ تُمضي معهم من الوقت ما تشاء، وبترحاب فائض عن الحد!؛ الأمر الذي يقود كثيرًا من الناس فيما بعد لامتداح سيل كبير من المقلّدين والشهادة لهم بالخلق الرفيع، لدرجة تسمح بالغمز واللمز على المبدع الحقيقي، واتهامه بالغرور!.
ـ يزيد الطين بلّة كل يوم. أهل الإعلام الإعلاني، المسؤولون عن الملصقات، يتجرّؤون، ويزيِّفون الملصقات، وأحيانًا يلغون وجودها!. يطرب المُقلِّد لذلك، يظن أنه صار أصليًّا، ويحمل للمُعلِن جميلًا في العُنُق، يردّه له بألف طريقة وطريقة. يصيرون أصدقاء، وتصير للصداقة لوازم أخرى. السرطان ينتشر ويتضاعف بسرعة!.