القراءة ضدّ الصبر عليها!
القراءة لا تحتاج إلى صبر!. ربما احتاجت إلى تخبئة صبر من أجلها، صبر لها، أما الصبر عليها فلا؟!.
ـ الصبر على القراءة حكم نقدي سلبي، منّي على الكتاب، أو من الكتاب عليّ!.
ـ حُكْم سلبي، وهو على كل ما به من غِلْظَة، ومن تبرّم، فإنّه ليس جائرًا، ولا دَنِسَ الثِّياب!.
ـ لا أدلّ على طهارته وعدله من قدرته على التغيّر واستبدال رأيه برأي مُغَايِر في وقت لاحق!، وقد فعل ذلك كثيرًا، حتى صار يمكن لأيّ منّا الشهادة بأنه سبق أن قرأ كتابًا فوجده مُمِلًّا، صعب الهضم، أو مُبهمًا أقَلّ إبانةً مما يلزم، لكنه حين عاد إلى قراءته مرّة ثانية، بعد زمن وقراءات أُخرى، لَقِيَه وَضّاحًا، كريم العطاء، آسِر الحَسْن!، .. أو العكس!.
ـ في اللحظة التي يكون فيها للصبر حَشْرَة أَنْفٍ وموْضِع قَدَم، يكون أهم وأطيب ما في القراءة قد أعطانا ظهره وصَفَقَ الباب!.
ـ إذْ إنّ أهم وأطيب ما في القراءة هو المتعة، الاستمتاع بها والتّشَوّق الحَرّاق للسَّطْر التالي!.
ـ في غياب هذا التّشوّق لا تعود القراءة فنيّة، وبصبّ كثير من الماء على هذه الحقيقة المُوحِشَة بهدف إعادة تأهيلها، تكون القراءة للتّعلّم ولكسب المعرفة!.
ـ هذا الحُسْن المتبدّي في الكلمات بعد تأهيلها للتداول السلمي، حُسْن خارجي، سطحي، ويمكن إضافة تجاري وسلطوي إلى الوصف!.
ـ بِصَبّ مزيد من الماء لهضم اللُّقْمَة، أكتب: القراءة للمعرفة والتعلّم، مهمّة ومفيدة، بل واجبة للاستمرار في الحياة والتقدّم بها، لكنها بذلك تشبه الزواج من أجل الحفاظ على النوع، وضبط الشكل الاجتماعي وكسب ورقة إخلاء طرف سبيل السُّمْعَة!.
ـ أمّا القراءة للمتعة، للمتعة الخالصة ليس إلّا، فإنه يشبه علاقة الحب الداخلة في ذاتها والخارجة عن وعلى كل قانون!.
ـ متى ما كنتَ حَسَن الحظ، فإنّ الزّواج يكسبك الراحة والأمان والترتيب، بينما وأيًّا كان حظّك، فإنّ الحب وحده يُكسبك السعادة، والضوء، ومزيدًا من التّشهّي والرغبات والأخيلة، وهي أمور تستأهل متطلبّاتها: التنازل عن الراحة والأمان والترتيب، لصالح نقيض كل من الثلاثة!.
ـ قِلّة، وأقلّ من قِلّة، من الناس، يحْظون بحظوظ وفيرة على نحو لا يمكن القياس عليه، يجتمع لهم الحب بكامل تدفّقاته وديمومتها والزواج بتمام سكينته!، حتّى إنني أكاد أكذب في هذا الاستدراك!.
ـ الزواج يؤسس للذاكرة، لما سنحكيه فيما بعد عمّا جرى وحدث من قبل، وفي هذا فرقه ومفارقته عن الحب!.
ـ فالحب نسيان دائم ومتكرر وأبدي، وهو عن طريق ابتكاراته النسيانية، يفي بكامل وعوده: التشويق وعدم ضمان الملكيّة التامة!، ومضة بدر شاكر السّيّاب: "فَاحْتَازَها إلّا جَدِيلَة"!.
ـ القراءة للتعلّم، تجاريّة راغبة في مكسب، أو سياسيّة راغبة في سُلْطة!.
ـ فنحن نريد دائمًا استرداد ثمن ما "صبرنا" على تعلّمه، يقودنا ذلك غالبًا إلى مُعاقَبَة الآخرين، بدءًا من النصيحة وانتهاءً بمطالبة الآخر تقبّل ما تعلّمناه كحقائق ثابتة مؤكَّدَة، لا ينكرها غير الجهلة، ولا يتشكك فيها غير الأشرار!.
ـ وهي بذلك سياسيّة طمّاعة في سلطة، متعتها في القيادة لا في الصُّحبة!، تمشي والهدف ترويض لا رياضة!.
ـ القراءة متعة، وللمتعة، وحين يكون هذا هو منبعها ومجراها ومصبّها، تكون حرّة، وتنادي بالحريّة للجميع، وهي من فرط مناداتها بذلك، تقبل برحابة صدر كثيرًا من التّسَيّبات!.
ـ تعرف أنها بقمع كل الانفلاتات، ومتى ما تمت عمليّات سَدّ جميع منافذ اللعب بنجاح تام، تخسر القشعريرة التي ليس أشجع من رِعْدتها شيء!، وحلاوتها لا تقبل العوَض!.