من نجيب الريحاني إلى نبيل الحلفاوي!
نجيب الريحاني وأحمد زكي، وحدهما تقريبًا، مثّلَا بكل جزء من الوجه، الجبين والعينين والأنف والفم والذقن، بل وبالأُذُنَينِ والفَكِّ أيضًا!. وبالكتفين كذلك!،.
ـ أحمد زكي زاد قليلًا، حتّى بظَهْرِهِ أجاد التمثيل!، وفي فيلم "معالي الوزير" أكل حتى أُتخِم، وصارت له "كرشة"، قالت لي صديقة مُشتركة بيننا إنّها سألته عن ذلك معاتبةً، فقال: "هُوّهْ فيه وزير من غير كرشة"؟!.
ـ محبّةً وافتتانًا بنجيب الرّيحاني، أتراجع عن قولي إنّ أحمد زكي زاد عليه، رغم أنّه فعل!، وأرمي بالّلائمة على الحظ والكاميرا!،.
ـ لم نلتقِ بنجيب الريحاني سوى في آخر سنوات العطاء، لم يتسع الوقت لغير عدد قليل جدًّا من الأفلام، وفيها جميعًا يظهر بنفس السنّ، حيث لا صِبَا ولا شباب، وحيث كِبَر السِّن واضحًا، والشيخوخة وحدها في أوّل العمر!.
ـ وكأنّه يشكر السينما حتى على حضورها المتأخِّر، كان الموسيقار محمد عبد الوهّاب يرى أن السينما خُلِقَت "لتصوير نجيب الريحاني"!، لكن ولأنّ السينما كانت في بداياتها، لم تكن هناك فعالية في الإخراج، تسمح بأكثر من التقاط زاوية محدّدة وكادر ثابت. ربّما لهذين السببين لم نتمكّن من مشاهدة أعاجيب الجسد الرّيحاني كاملًا!.
ـ شكري سرحان يأتي زمنيًّا بينهما، وفنيًّا بعدهما، الزمنيّة معلومة وحقيقة، والفنيّة رأيي وظنّي!.
ـ لا يمكن لأحد خطف الكاميرا من شكري سرحان، كلّ ما في وجهه نابض، وشريك انفعالات عجيب!.
ـ هذا لا يقلل من روعة الآخرين، لكني حين أتذكّر محمود المليجي، وهو ممثّلي المفضّل، فإنه يمكن لي تحديد قطعتين من الوجه يتسيّدان البقيّة: العيون والفم!.
ـ عبدالله غيث كان يمثِّل بأنفه!، وكان صلاح منصور يمثِّل بعينيه!. في حين قدّم أحمد رمزي أوّل نموذج عربي للتمثيل بشَعْر الصَّدْر!.
ـ الجميع كانت لديهم قدرة على الأداء الصوتي المُتقَن، لكن حين نتحدث عن الممثل الأكثر أهمية في هذا الجانب، فالسهرة كلها لإسماعيل ياسين!.
ـ على السطح فقط، يبدو أن ملامح وجه إسماعيل ياسين، هي التي قادته لكل هذا المجد غير المسبوق!، لكنني حين أتعمّق، وأدعوكم لاختبار الأمر، أكتشف أنّ صوت إسماعيل ياسين كان، وظلّ طوال الوقت، مُنَغَّمًا، وبهيّ "الدَّوْزَنَة" على نحو لا مثيل له، وبإيقاع ورتم موسيقيّ مذهل!.
ـ كل جملة حواريّة نطق بها إسماعيل ياسين، يُمكن تركيب موسيقى لحنيّة عليها، فتصير أغنية!.
ـ الحديث يطول، فالعمالقة كُثُر، محمود مرسي، صلاح السعدني، يحيى الفخراني، وغيرهم، كل واحدٍ منهم يستحق مقالة خاصة على الأقل، لكنني أختم بنبيل الحلفاوي:
ـ مشكلة نبيل الحلفاوي تشبه مشكلة صلاح منصور، كل منهما ممثل مذهل ورائع، ولديه قدرات استثنائية في الأداء، غير أنّ السينما لم تستوعبهما استيعابًا لائقًا، ولنركّز في نبيل الحلفاوي: إنه يجمع تعابير الكون في عينيه!، العيون تسرق الكاميرا من بقيّة أجزاء الوجه وكامل الجسد!، تظلم البقيّة!،.
ـ ولأن التلفزيون وليس السينما هو الأكثر تخصصًا، واستخدامًا للوجه، بدا لنا أنّ أداء نبيل الحلفاوي التلفزيوني أكثر تفوّقًا، مسلسل "زيزينيا" مثال صارخ، وحتى فيلم الطريق إلى إيلات، كان فيلماً "تلفزيونيًّا" ولذلك أبهر الحلفاوي الدنيا فيه!.