2017-12-30 | 04:22 مقالات

الفوضى الخَلَّاقَة!

مشاركة الخبر      

 

 

الفوضى هي ألا يُخرِّب الأطفال المكان الذي يلعبون فيه!.

 

ـ الكلمات في الأدب، في الشعر والقصّة والرواية وفي كل كتابة إبداعيّة، ليس لها حكاية واحدة، لكل منها حكايتان: ما تحكيه، وحكايتها الخاصّة المتعلّقة بطريقة تلاحق الكلمة للكلمة، وتلاقح الكلمة بالكلمة!.

 

ـ الكاتب نفسه، لا تتبيّن له خفايا ما يكتب إلّا لحظة الكتابة، ليس "لحظتها" فقط، ولكن من خلالها أيضًا!. تمامًا مثلما يخطّ الرّسّام خطًّا، يُلْحِقه بخطّ، لا يدري ما الذي يريد رسمه، لكن تلاحق وتلاقح الخطين، يدلّه على الطريق!.

 

ـ أو ربّما خَطّ وهو ينوي رسم شجرةٍ، غير أن ميْلًا في الخط الثاني، جذبه إلى خطٍّ ثالث، ولحظتها، لحظتها فقط، عَرَف أنه في الطريق إلى رسم مئذنة!. 

 

ـ يُفاجَأُ الفنان بنفسه ونواياه ورغباته أثناء انغماسه في العمل!، والمُدهش الخارق الطريف هنا، أنه حتى حين يرسم مئذنة فإنه يرسمها شجرة!.

 

ـ يرسم مئذنة؛ لأنّ الخطوط أوحت إليه بذلك من خلال تلاحقها وتلاقحها، لكنه يرسمها شجرة لسببين: الأوّل ظاهر وسهل، ببساطة لأنه في الأساس كان يرغب في رسم شجرة، وكل رغبات الفنان تذوب في عمله، لا شيء يذهب هباءً!.

 

ـ السبب الثاني عميق ومُعقّد بعض الشيء، فالفنّان لا يريد رسمًا ثابتًا لا يتحرّك ولا تتبدّل أشكاله مع بقاء الثبات للرجوع إليه والبدء منه؛ لذلك يُدخِل روح الشجرة في الرسم!.

 

ـ الشجرة ثابتة لكنها تنمو، ويتغيّر شكلها مع كل هبّة هواء، ولا يمكن لورقة فيها أو غصن أنْ يثق بمكانته وقَدَرِه لحظة واحدة!. والمئذنة والشجرة خُضرةٌ وعُلُوّ!.

 

ـ الكاتب، الفنّان عمومًا، مثل من يريد التقاط صورة فوتوغرافيّة، أو تصوير مشهد، ومن حسن الحظ أننا جميعًا جرّبنا مثل هذا الأمر بتوفّر أجهزة الاتصال؛ ما يجعل التشبيه مناسبًا:

 

ـ حين نريد التقاط صورة، يكون معناها في الذهن قائمًا، نظنّ فعليًّا أننا أمسكنا بها، فالمنظر أمامنا والكاميرا معنا!، لكننا لا نتبيّن الأمر حقًّا، إلّا حين نتعامل مع الآلة المُلتقِطة للصورة أو المشهد، لحظة أن ننظر لنفس المشهد من عين الكاميرا، الألوان والزوايا والإطار والخلفيّة تبدأ ونبدأ معها علاقة جديدة، ليست هي التي كانت قبل الشروع فعليًّا في العمل!.

 

ـ أحيانًا نغيّر رأينا في المشهد كله، إنه لا يبدو داخل الكاميرا، مثلما نراه خارجها!، وأحيانًا تتكشّف لنا تفصيلة صغيرة في الخلفيّة فنعرف ونقرر أنها الأهم، ونشعر بوجوب حذف ما سواها والتأكيد عليها فقط: الكلمات آلات تصوير، والحبر ضوء!.