عمر ماهر
يفتح نافذة المنزل المطلة على ساحة غناء من ساحات دمشق العتيقة ليشاهد شقيقه الأكبر يلعب مع أقرانه كرة القدم، يطيل النظر والأمل يحدوه بأن يكبر سريعاً ويستطيع أن يصبح مثل "محمد" لاعب كرة، وقادر على الخروج من المنزل دون أن تمانع والدته.
كبر الفتى اليافع وبدأت ملامح موهبته الكروية في الكبر معه، حتى لفت أنظار معلميه في مدرسته الشامية وكشافي نادي الوحدة الدمشقي ليتم تسجيله في فئة الشباب ومنها للفريق الأول.
لكن الأوضاع في بلده لا تساعد فالأمن منعدم والناس تهرب من الخوف ومن الجوع وأحلام الفتى الدمشقي مازالت متوهجة لا يزعزعها حرب ولا سلم.
مكث أربعة مواسم في الدوري السوري يقاتل من أجل حلمه الكبير حتى جاءت صائفة 2013 حينما انتقل بنظام الإعارة إلى الدوري العراقي "ولم تكن بلاد الرافدين بأفضل حال من الشام"، وتحديداً للقوة الجوية ومنه إلى نادي الميناء في الدوري ذاته.
لم يشعر عمر بشيء من التغيير هناك ووجدها فرصة ظفرة للانتقال لنادي الظفرة الإماراتي، فهناك الأمن والأمان والإعلام وكان ذلك في صيف "2016"، ومع أول مباراة مع فريقه الجديد استطاع التسجيل في "العين" وكانت فرحته كبيرة لعل الهدف الأكبر في لفت "العيون" إليه.
في شهر "يناير 2017" تلقى عمر اتصالاً من وكيل أعماله يخبره بأن الداهية الأرجنتيني "رامون دياز" اللاعب الشهير والمدرب الأشهر طلب من إدارة الهلال السعودي التفاوض معه لكسب خدماته.
أعاد عمر على وكيله "قلت الهلال السعودي"، بلهجة شامية قحة، وكان الوكيل يردد "نعم نعم"، وافق عمر على الفور ولم يكتف بالموافقة، بل قاتل من أجل موافقة إدارة الظفرة ومدربها واستعان بمدرب المنتخب السوري ليشفع له عند مدرب فريقه.
لم تطل المفاوضات وتمت الموافقة على الانتقال بنظام الإعارة لستة أشهر فقط.
في هذه الفترة البسيطة استطاع "الفتى الدمشقي" أن يثبت بأنها صفقة العمر له ولناديه بعد أن نجح الهلال في "تفجير موهبته".
كانت بداية عمر صعبة وكان يجد تعاملا غريبا من المدرب، فحين يشركه أساسيا يتألق ويسجل ويقود الفريق للفوز لكنه في المباراة التالية يبعده عن التشكيل الأساسي، وحين يستعين به احتياطياً ينزل ويسجل لكنه يصطدم بأنه خارج التشكيل.
لم يستوعب هذه المعاملة لصغر سنه، فهو حينها لم يتجاوز الـ 23 ربيعاً، حتى كادت أن تقتله الظنون فتوجه بعدها لقائد الفريق ياسر القحطاني ولمحمد الشلهوب وسألهما "لماذا ؟"
كانت وقفة اللاعبين الخبيرين مشهودة، ويدين عمر لهما بفضل كبير حينما شرحا له بأن حجز مكان في الهلال ليس بالأمر الهين حتى وإن تألق وسجل في عدد من المباريات، ونصحاه بأن يستمر في المقاتلة من أجل حجز الخانة.
في الهلال تم طبخ موهبة عمر على نار هادئة، وفيه وجد أجواء الأسرة الواحدة مما خفف من وهج الحنين للوطن والأسرة، ووجد من لاعبي الفريق محبة ودعماً ونجح في استغلال هذه الأجواء حتى أصبح أفضل لاعب في القارة.
حينما صعد لاستلام الجائزة مر أمام ناظريه شريط ذكريات، فمازالت أطلال المنزل الدمشقي راسخة وصوت والدته يصدح "عمر صوت على محمد يطلع فوق فالغداء جاهز"، ومازالت تلك النافذة مفتوحة باتجاه الشرق، حيث "صبا بردى" يداعب ستائرها بنسائم صيفية تسكن وجدان بيت دمشقي عتيق.
الهاء الرابعة
سلام من صبا بردى أرق
ودمع لا يكفكف يا دمشق
وبي مما رمتك به الليالي
جراحات لها في القلب عمق
وحولي فتية غر صباح
لهم في الفضل غايات وسبق