شكرا “مارفيك”.. وأعتذر لك
لم أكن يومًا مع قرار صرف النظر عن تجديد التعاقد مع مدرب المنتخب السعودي "الهولندي ذي الملامح الباردة، فان مارفيك" لفترة تدريبية أخرى، كما أنني لم أكن منحازًا أبدًا للأصوات التي رحبت بعودته مدربًا للأخضر بعد إلغاء عقد العجوز الأرجنتيني إدجاردو باوزا.. وبينهما كنت واحدًا من الذين صرخوا أكثر من مرة، في وجه اتحاد كرة القدم السابق: "نحن أكبر من أن نوافق على أن يدربنا رجل من بيته، أيًا كان هذا الرجل"، كنت أقصد المدرب الذي تأهلنا به "وليس معه" إلى كأس العالم.. لم أتقبل فكرة أن يقيم في بلده هولندا، وهو مدرب لمنتخب بلادنا.. رأيت في ذلك استغلالًا لحاجتنا ـ حينها ـ له كمدرب، وانتقاصًا من قيمتنا الكروية!.
كنت أيضًا من أولئك الذين استنكروا إصراره على اللعب بتشكيلة واحدة، واختيار العناصر نفسها لمعسكرات المنتخب الإعدادية، حتى وإن كانوا لا يلعبون في أنديتهم، أو يجلسون على مقاعد البدلاء.. أكمل المدرب طريقته في التدريب، وأكملنا طريقنا في الاعتراض، والنتيجة أن مارفيك هزمنا فنيًا "أنا وآخرين غيري"، وهي خسارةٌ تشرح الصدر، لأنها كانت فوزًا للسعودية، وسببًا في أن نذهب إلى كأس العالم مرة خامسة.
ما مناسبة كل هذا الكلام؟!..
حسنًا، سأشرح الأمر ببساطة شديدة، ما استطعت إلى ذلك سَبِيلًا.. أرسل لي الصديق أحمد عبداللطيف صباغ، قبل أيام مقطع فيديو من حوار تلفزيوني "نقلًا عن حساب @PLHolics في "تويتر""، وفي المقطع ثلاثة لاعبين إنجليزيين، من ثلاثة أندية عريقة، وعملاقة، هم: ستيفن جيرارد من ليفربول، وفرانك لامبارد من تشيلسي، وريو فرديناند من مانشستر يونايتد، طرح المذيع عليهم سؤالًا مهمًا ولاذعًا: "لماذا لم يفز الجيل الذهبي لإنجلترا بالبطولات، هل قدمتم مصلحة أنديتكم على مصلحة المنتخب، وتركتم ما يحدث بينكم كأندية متنافسة في الملعب كل موسم يؤثر عليكم؟!".. فجاءت الإجابة صادمة، تملأ الرأس بالأسئلة، بعد أن تضخ فيه موجات طويلة وقصيرة من الانتباه الشديد.
قال ريو فرديناند، إن الأمر لا يتعلق بالمنتخب، ولا بالقيمة الفنية لمن يلعبون له، وإنما بالعلاقة بين اللاعبين "لم أكن أفعل هذا عن عمد، أي أنني لا أستيقظ صباح مباريات المنتخب وأقول لنفسي: سأتصرف وكأني لاعب في مانشستر يونايتد، كان شيئًا لا إراديًا.. لقد حاول مدربو المنتخب إيقاف حركة الطاولات، كان هناك خمس طاولات للغداء في المعسكرات، واحدة للاعبي ليفربول، وأخرى للاعبي مانشستر يونايتد، وثالثة لشيرار وأصدقائه، كان شعورًا غريبًا، ولتصحيح الوضع الخاطئ، وضعوا لاحقًا طاولة واحدة طويلة، ليجتمع اللاعبون عليها، وكان لاعبو مانشستر يونايتد يجتمعون في طرف الطاولة، كنا نجد دائمًا طريقة للتحايل، لنجلس معًا يقصد "لاعبو كل فريق مع بعضهم""!.
وعلى حافر كلامه وقع حافر فرانك لامبارد، الذي قال: "أعتقد أن الأمر كان يخص أنديتنا أكثر من أي شيء، كلنا نمثل أنديتنا بشغف عالٍ، لذلك كان صعبًا نوعًا ما أن نتأقلم مع لاعبين ننافسهم كل الوقت.. لم نكره بعضنا، ولكن في الأوضاع الطبيعية كان يجب أن نجلس على طاولة واحدة ونتبادل أطراف الحديث.. بعض الدول لاعبوها منتشرون في أرجاء العالم، وعندما يجتمعون في أيام "فيفا" يتأقلمون جيدًا معًا، لأنهم لا ينافسون بعضهم أسبوعيًا، ولهذا نأمل أن يملك هذا الجيل قوة ترابط أكثر".
أما القائد ستيفن جيرارد، فاعترف أنه لم يكن أحد يتطلع إلى رؤية الآخر في معسكرات المنتخب الإنجليزي "كنا نتطلع إلى اللعب فقط، لم يبدُ ذلك ظاهرًا على السطح، فنحن نأكل معًا ونتحدث سويًا، لكن لم تكن هناك قرابة بيننا، وهذا أثر على أدائنا، ولذلك يجب أن يتغير هذا الوضع"!.
أليس صادمًا هذا الكلام؟!.. أم أنني أبالغ في فهمه على نحو دقيق؟!.. صدقًا أنا عاجز عن استيعاب أنه حدث في واحدة من أكبر بقع كرة القدم احترافًا في العالم كله!.
تحاول إنجلترا الآن، علاج هذا المرض، المدرب غاريث ساوثغيت، كما يظن قائد ليفربول، انتبه إلى هذا الأمر، ويعمل على تطوير العلاقة بين اللاعبين، ولنجاح ذلك، ينصح القائد نفسه القائمين على شؤون الفريق الوطني "بأن يجمعوا اللاعبين على قلب واحد، وألا يجلبوا روح المنافسة في البريميرليج إلى المنتخب".
وهو ما يؤيده لاعب وسط تشيلسي المعتزل، بقوله: "الجيل الحالي يملكون ميزة عظيمة، هي أنهم يفوزون معًا منذ أن كانت أعمارهم 17 عامًا، لذا هم يبنون العلاقة بينهم منذ سن مبكرة، ويستمرون في علاقتهم القوية هذه إلى أن يصلوا لأفضل سنواتهم".
أعود الآن إلى حيث بدأت، المدرب الهولندي، حاد الطباع، ذو الملامح الباردة فان مارفيك، وإصراره على أن يلعب بتشكيلة شبه ثابتة، ويستدعي الأسماء نفسها في كل معسكر!!.. أعتقد أنه كان يحاول خلق انسجام روحي بين اللاعبين، وليس فنيًا فحسب، بل كان يريد للعلاقة بين اللاعبين أن تكون قوية، وأن يتشبعوا بشعور أنهم يلعبون لفريق واحد، لم يُرِد هذا الهولندي أن تنتقل المنافسة من ملاعب الأندية إلى معسكرات المنتخب، إما أنه اكتشف بنفسه وجود "حُمى تنافس" بين جماهير الأندية، بمؤازرة إعلامية طاغية، أو أن أحدًا تحدث معه عن ذلك فانتبه له.. المهم أنه كان صارمًا في قراره، وصمَّ أذنيه عن الاستماع إلى أي أحد، كان يُؤْمِن بأن الانسجام في الملعب، يبدأ من الانسجام بين أرواح اللاعبين، ولهذا "أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ".
بقي أن أختم بعبارة وردت على لسان الإنجليزي ريو فرديناند في الحوار نفسه: "أن تفوز مع ناديك ومنتخبك، هو أمر صعب جدًا"! رفقًا بعقلي، يبدو أننا في حاجة إلى أن نتحدث أكثر مع لاعبينا المعتزلين، لنفهم منهم إن ذلك يمكن أن يحدث فعلًا!
سؤال أخير: هل تظنون أن منتخبنا غاب كل تلك السنوات الطويلة عن البطولات، لأن لاعبيه كانوا يجلبون روح المنافسة في الاستحقاقات المحلية إلى المنتخب؟!