2017-08-01 | 03:27 مقالات

لا نستخدم الإبل للتنمية

مشاركة الخبر      

على مداخل المدن قُبيل ولوجهم إلى عوالمهم الجديدة، لم يحملوا سكاكينهم المسننة، ويحدّوا شفراتها كي يجزوا رؤوس حيواناتهم بعد انتفاء فائدتها، بل وضعوا صور الحيوانات في أعلام بلدانهم وكنّوا أنفسهم بها. كل ذلك فعله البشر امتناناً لما قدّمته حيواناتهم لحضارتهم وأعانتهم على تحمل شظف حياتهم القديمة. قدرنا بتضاريسنا الصحراوية الممتدة أن تظل الإبل حليفاً وعوناً في ترحالنا، وبلحمها وما تدرّه من حليب كان خياراً أساسياً لجوعنا وظمأنا. في حزمة القرارات الملكية الأخيرة أبهجني الاعتراف الصريح والتأكيد على أن الإبل عنصر في هوية البلاد، بإنشاء نادٍ للإبل ونادٍ آخر للصقور، حيث إن بعضاً من المثقفين العرب المتعالين، وبعضاً ممن تبعهم من الداخل دون تبصّر، كالوا كل الذم على الإبل، وصوّروها كرمز أبدي للبدائية، حملوا أقلامهم ويراعاتهم إلى الصحراء، ممجدين ومنافحين على فكرة أساسية مفادها أن الجمل رمز التخلف التام رغم أنه ليس إلا حيواناً نعتني به مثلما يعتني الإنسان الأمريكي بكلبه، لكن ما يساورني من اعتقادات تجوب فكري أنه ربما هدير الناقة فقط هو ما يمزّق حبال أفكارهم وهم يقتعدون مكتباتهم، محاولين بنظرياتهم الفكرية إخراج العالم العربي من مأزق ظلماته بسبب جلبة نياقنا وصوت جمالنا. وبعيداً عن ذلك، بسبب دراستي في جنوب أمريكا، ما أن تشرئب بعنقك هناك وتحملق في أسماء المتاجر وترى المكتوب على القمصان حتى تألف مصطلح "COW BOY" أي رعاة البقر.

ما كان سيحدث إذا عنون مطعم أو قهوة في منتصف العاصمة الرياض، باسم "راعي الإبل"؟ أسوة بما يجري مع رعاة البقر في أمريكا. ذلك ما سيجعل المثقف الوهمي يُخرج من قواميسه مرادفات كلمة جهل، ويُجهد تركيزه في خلق تراكيب لغوية تبين مدى تراجعنا الحضاري، وسيكدّس سبباتيه في أذنيه عقب كل محاولة نسعى جاهدين في شرح أننا اعتزلنا امتطاء الناقة فعلياً، وقضية تقديرها لا تعني أننا سوف نعتليها مجدداً لنواصل السير الحضاري بها.