توقّف الأذان من السماء - فهد بن علي
انسحبت مني لجّة الأصوات حالما تركت أسرتي واتجهت وحيدًا لأُكمل المتبقي من دراستي الجامعية في الخارج، الآن قرع أواني المطبخ والأصوات الصغيرة التي نعدّها من مراتب الصمت، جميعها لن يكون مُحدثها مرء غيري في هذه الشقة المتفردة بي. لكن: ماذا عن ذلك الصوت الإيماني الذي يخترق السماء؟ مَن يأتِ دائمًا بعد السَّحر ـ على عتبات الفجر ـ كي يغسل وجه المدينة ويمنحها عينين جديدتين، مضى يوم ثان عليّ دون سماعه، كيف أنساه وأنا المهووس بالغائبين!.
إذًا توقّف الأذان عن سمائي الجديدة، وهي فرصة للاحتفاء بنسقنا الحياتي رغمًا عن اختلافنا الفكري وعن قضايانا الشائكة البادئة بإغلاق المحلات التجارية وقت الصلاة، وغير المنتهية مع نقل الصلاة بمكبرات الصوت الخارجية. تشاجروا عليهما ما شئتم، لكن دعوا الأذان يصدح واتركوا مسامات جسد الفضاء تنتشي بصوت يمتد إليها: "الله أكبر.. الله أكبر"، لا أحبّذ الأذان من باب إيماني وحسب، أرى أيضًا أنه يمنح البلاد "هوية سمعية"، وهذه الفرادة ما نتميز بها أمام طبيعة مدن الغرب التي لا يرتمي فوقها صوتًا نديًّا.
مهما كان مُعتقد الإنسان الديني إن للأذان شكلاً فنيًّا لا يمكن تجاوز حُسن عذوبته حتى مع عدم إحاطة سامعه باللغة العربية. وأنهي حديثي ـ حفظني الله ـ بتنبيه أن كامل كلماتي في الأعلى، هي غير موجهة وليست معنية بأولئك، من أرادوا الخروج إلى التموينات التجارية فقفز من منارة مساجدهم المجاورة صوت الأذان؛ لأننا نحن البشر اعتدنا تفويت الوقوف عند "جماليات الحياة"؛ بسبب حالاتٍ شعورية تتعارض مع استيعابنا لها.