اختر ما تشاء عنوانًا لهذه القصة!
عندي حكاية، مشروع حكاية، قصة، مشروع قصة، لنتخيّلها معًا:
ـ احترق البيت، كل ما فيه صار عدماً في رماد، الأم وحدها نجت، وحين نقول أم ثم وحدها ثم نجت، فالعبارة لا تستقيم ما لم تنجح في إنقاذ طفلتها الوحيدة!، نُعدِّل العبارة: الأمّ نجت بطفلتها الوحيدة، لكن الحريق التهم الأب، وكل صوره الفوتغرافيّة، وكل شيء يخصّه، الأب أصبح مجرد كلمة وذكرى، وكلما كبرت الطفلة صار الأب حنينًا أيضًا!.
ـ لكن ولأنّ النار التهمت كل شيء بالمعنى الحرفي للكلمة، فإنها أبقت احتمالًا قائمًا: أنْ يكون الأب خارج البيت ليلتها، لم يصبه أذى، لكنه ولسبب مجهول لم يعد حاضراً في غير كلمة وذكرى وحنين وأمنية!.
ـ حَكَتْ الأم لطفلتها عجائب مشوِّقة عن أبيها، ولأنّ الأمّ كانت تحب في الرسم، ولأنّ الطفلة تحبّ الألوان كثيرًا، راحت الأمّ ترسم للطفلة وجه أبيها، كل يوم حكايتين وضربة فُرشاة.
ـ اللوحة لم تكتمل بعد، قالت الأم: يا صغيرتي سأظل أرسم لكن اللوحة لن تكتمل أبدًا، الوسيلة الوحيدة لاكتمالها هي أنْ يعود حبيبنا إلينا أو يدلّنا عليه فنذهب إليه!.
ـ لكن، ومنذ بداية الرسم، كادت الطفلة أنْ تتعرّف على وجه أبيها، للألوان المُحِبّة قدرة على نقل عدوى الحب بحيويّة مُدْهِشَة!، وليت الأقارب والمعارف والجيران القدماء لم يحضروا لتقديم خدماتهم!.
ـ حضر الخال الوحيد، والعَمَّات الأربع، وخمس جارات كانت من بينهن واحدة على خلافات دائمة مع الأم، لكنها "لطيبة قلبها" الموضوعة بين قوسين عمدًا، نسيَتْ الخلافات بعد الفقد!، وحضر زملاء عمل برفقة الخال، الذي قدّم وجوهًا أخرى جديدة على أنهم معارف، وأحياناً كان يقول: أصدقاء طفولة للفقيد!.
ـ حضرت أيضاً عشيقة!، وللتخفيف من وقاحة الوصف رَشَّتْ كلمات شارحة: كانت علاقتنا سابقة لزواجكما، حضرْتُ فقط لتقديم العزاء، ولمعرفة ما إذا كان بإمكاني المساعدة بشيء، ونَظَرَتْ إلى الرسم، وهو الأمر المؤسف الذي قام به كل من حضر تقريبًا، لا ليس تقريبًا، المصيبة أنّ الجميع فعل ذلك، والمصيبة الأكبر أن الجميع، وهذه المرة "تقريبًاً"، كرروا الزيارات بسبب الرسم!.
ـ كل من رأى الرسمة، تدخّل، بقلبه ثم بلسانه ثم بيده!، كل واحدٍ منهم أخذ الفرشاة، مرّغها في الألوان، وضرب على اللوحة خطًّا أو أكثر: لا لم يكن حاجبه بهذه التقويسة!، لحظة سأعدِّل قليلًا من انحناءة الذقن!، لم يكن يبتسم بهذه الطريقة، هكذا كانت ابتسامته نعم!، وقالت العشيقة إن شَعره لم يكن خفيفًا إلى هذا الحد، وزرعت له شَعرًا، لم يعترض الخال، فقط قال إن الشَّعْر لم يكن أسود تماماً، وأضاف لونًاً بُنّيًّا!.
ـ ولأنّ الأمّ كانت تحتاج إليهم جميعًا، والأدقّ أنها كانت تظن أن طفلتها ستكون بحاجة إليهم فيما لو فارقت هي الدنيا لأي سبب، فقد نجحَتْ في إخفاء ضجرها من الأمر في أوّله، ثم صارت تبتسم لكل مشاركة تغيير، وأحيانًا كانت تطلب منهم التعديلات المناسبة، تضخّم غطرستهم!، وفي عينيها وفي عيني طفلتها، ابتسامتين ساخرتين، لا تكشفان عن شيء محدّد، لولا أنّ الجميع صار يتشكك في مشاعر الطفلة التي صارت اليوم شابّة جميلة، لكنها متّهمة بقلّة التعاطف مع صورة أبيها "المُجْمَع عليها" تقريبًا!.
ـ كانت الأم قد تدبّرت الأمر، منذ البداية، بسريّة "صوفيّة" كلّ الشيء!، فمنذ سماحها لأوّل اقتحام لوني وخطّي، وبعد أن أغلقت الباب وراء الضيوف "الطيبين" لأول مرة، حملت طفلتها بين ذراعيها، ودخلت المخزن الصغير والضيّق في الشقة المُستأجرة، نظّفته بمساعدة لُعَبِيّة من الطفلة، ثم قالت لطفلتها:
ـ هنا نرسم الصورة من جديد، ولنقترب منها لا بد من أمرين: ألا تخبري أحداً، وأنْ تشاركيني الرسم!، حتى لو لم تَرَيْه من قبل، فأنتِ جزء منه، ولكِ في هذه الـ "مِنْهُ" أكثر مما لي!، إنّه خليط مما يمكن لي معرفته وتذكّره ومما يمكن لك تخيّله وتَمَنِّيه، حنيني ورغبتك معًا!.