بيتوتيّات!
أنتمي عاطفيّاً لكل ما هو بيتوتي، لكل ما له صبغة عائلية في الأدب والفن.
ـ أحببت رولان بارت كثيراً لكنني بعد كتابه "الغرفة المضيئة" همْتُ به أكثر، أذهلتني علاقته العاطفية مع صورة والدته الفوتوغرافية!.
ـ وصار ميلان كونديرا أقرب لي من أي وقت سابق بمجرّد أنْ أدخل في قصصه نُزهاته القليلة مع والده المسن المريض في مجموعته "كتاب الضحك والنسيان"!.
ـ وأوجعني زياد الرحباني كثيراً في تغريدة تحدّث فيها عن والدته السيدة فيروز، وكيف أن العالم لم يعد كما كان في عينيه بعد أن توقّفت والدته عن الغناء!،.
ـ ولكم أن تتخيلوا ما فعله بي الفنان الكبير محمد عبده حين حكى قصة وقوفه آخر صفوف المشيّعين في وفاة والدته ـ رحمها الله، خوفاً من أن يعرف الناس أنها والدة المغنّي فينسحب بعضهم!،.
ـ ولا غرابة عندي أن تكون أعظم قصيدة في الشعر العربي مرثيّة المتنبّي في جدّته!.
ـ الحس البيتوتي، القرب الأسري، الإنتماء العائلي، أصيل في الإنسان، واستثماره فنيّاً بموهبة أصيلة، يثمر تعاطفاً خصباً مع العمل ومن خلاله،.
ـ لم يكن صوت فايزة أحمد برّاقاً ومشع الانكسارات، مثلما كان في أغنية "ست الحبايب يا حبيبة"،.
ـ وأظن أن أهم أسباب تعاطفنا مع "رأفت الهجّان" ليس وطنيّته ولا ألمعيّته، بل لعلاقته بشقيقته!، ولا أظن أنه يمكن لنا متابعة إعادات مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" بالشغف نفسه، لولا مشهد العناق الأخير بين الوالد وولده!.
ـ وحين أفكِّر في سرّ نجومية، ونجاح أعمال أحمد حلمي السينمائية، وفي إحساسنا العام على ما أظن، بأنه ممثل كوميدي مختلف عن الآخرين، أجد أمرين، أحدهما جَلّيّ ظاهر، وهو أنه أول من أدخل الفلسفة في الكوميديا، وهو في هذا الأول والوحيد حتى الآن في العالم العربي، الأمر الثاني مُضْمَر خفيّ، لكنني أتبيّنه الآن، وهو أنه يقدّم غالباً عاطفة أسريّة وعائلية طيّبة، تُسكِن في النفس بهجة ومَسَرّات!، لا يكاد يخلو فيلم واحد لأحمد حلمي من الدفء الأُسري، ومن حميميّة العائلة!.
ـ مسلسل "عايزة أتجوز" لهند صبري، نجح نجاحاً مذهلاً، وأظن أن السبب الأكثر حضوراً في هذا الأمر، علاقة البنت "عُلا" بأسرتها، المكاشفة البسيطة الخالية من العُقَد والخوف بينها وبين والديها وجدتها وشقيقها، علاقة صحّيّة، يتمناها كل بيت!.
ـ وعلى كل مسيرة عادل إمام الفنيّة، فإنه لم يسبق له الوصول إلى ذروة الذروة في الأداء الفني، كما في مشهد واحد من فيلم "التجربة الدنمركية"، لحظة خاف من أن يضربه ولده!، تجمّع في الأداء كل شيء: الخوف والذل والحسرة والندم والشعور بتقدم السن والعجز والتقصير والاستعطاف المأسوف على وجوده والحب وتذكّر الأيام الفائتة!، مشهد أوسكار بمعنى الكلمة!.
ـ لا يمكن نسيان مسلسل "درب الزلق" في هذا السياق: أحد أهم أسباب صموده طيلة هذه السنين: رائحة البيت!.
ـ صوت أصالة يزعجني عموماً، خاصة حين تستعرض عُرَبَها الصوتية، باستفاضة متحدّية، فلا يبقى في الحنجرة غير خدوش قطّة على زجاج!، أما أكثر ما لا أطيق سماعه من أغانيها فهي أغنية "ما بحبّش حد إلا أنت" والتي من ضمنها: "حب العالم يا حياتي.. يشبه حبي لأخواتي!،.. لكن حبك يا حبيبي أعلى وع العين والرأس"!، لأكتب هذه الفقرة عدت مجبراً لسماع الأغنية، اكتشفت جديداً: أن المغنيّة العاشقة تعلن عدم محبتها لنفسها أصلاً، وفي هذا انسحاق عاطفي مَرَضِي يستوجب العلاج أصلاً!،.
ـ من يحب نفسه، ثم بيته، ثم عائلته، يتدرّج خطوةً خطوةً، فيحب الكون كله، العكس غير صحيح!.
ـ أجمل ما في الشعر أنه يكتب بيتاً بيتاً!.
ـ بالمناسبة: هل يمكنني اعتبار أحد أهم أسرار "الموناليزا" لدافينشي، نظرتها وشبه ابتسامتها وطمأنينة وضع اليدين في نكهة بيتوتية وبَخُور برائحة أسَرِيّة، حتى وإن لم يظهر بقية أهل البيت في الصورة؟!، سأحاول النظر إلى اللوحة من جديد، من هذه الزاوية تحديداً!.