ذاكرة القارئ!
القارئُ نَسَّاي!.
ـ يتذكّرُ على مزاجه وهواه، وحسْبَ الموقف والحاجة: هذا يكفي ويفيض!.
ـ قد ينسى كثيرًا من أبيات الشعر، ينسى أسماء أبطال رواياته، وكثير من الأحداث والحكايات، لا ينسى القارئُ ما لا يُمتع فحسب، المُمتعُ أيضًا عُرْضَة للنسيان!، هذا لا يهمّ، فقد سبق له أنْ أكرم وقته بالاستمتاع بما قرأ في وقت سابق: لحظة القراءة!.
ـ يظنّ بعضهم، خاصّةً من هُم في مسافات الركض الأولى من القراءة، أن هذا الأمر مُكلِف، وأنّه يعني أننا أمضينا أوقاتًا بلا فائدة مَرْجُوَّة في المستقبل: ليس صحيحًا!،..
ـ نحنُ لا نتذكّر من حديث آبائنا وأمّهاتنا، وأساتذتنا وأحبابنا، غير القليل، مقارنةً بكل ما قالوه لنا، غير أن هذا القليل هو ما يؤنِّسنا، أما الكثير الذي حسبنا أننا نسيناه، فهو ما شكّلنا على ما نحن عليه من تربية وخُلُق، وكذلك الكتب!.
ـ سيحين الوقت، وفي اللحظة المناسبة، سيتطاول صوت ما، سطر ما، لتقديم نصيحة، لمدّ يد العون، لحَل إشكاليّة ما، أو لإضاءة مشهد وتمكيننا من رؤيته من جديد، بصورة مُغايِرة!.
ـ ولسوف يُفاجَأ القارئ، لحظتها، بتراكم مُتَعٍ: متعة أنّه تذكّر، ومتعة أنه تذكّر في اللحظة الحاسمة، ومتعة أنه صار أطيب تأمّلًا وأحسن إدراكًا، ومتعة مُصافَحَة المُتأمَّلات والمُدْرَكَات من جديد، ومتعة شعوره بأنّ هذه المصافحة وكأنها تحدث للمرّة الأولى، بكل ما تعنيه هذه "الأُولى" من طفولة ومرح!.
ـ لا تقرأ وأنت شارد الذهن. شرود الذهن يعني إمّا أنك أقل استعدادًا مما يجب، وإمّا أنك تناولت هذا الكتاب بالذات في غير وقته!، وإمّا أن هذا الكتاب ليس لك، ليس كتابك!، وبإمكانك هجره إلى كتاب آخر!.
ـ وَلَعُ القارئ بالقراءة مَرَدّهُ إحساسه الدائم، لنَقُل يقينه، بوجود كتاب حُبِّر له وحده، كُتِبَ من أجله على نحو خاص وفريد واستثنائي!.
ـ وهو يبحث عن هذا الكتاب، بحث الشاعر عن قصيدته التي لن يكتبها أبدًا!، وبحث الروائي عن روايته التي لن يتمكّن منها أبدًا!، أي أنه يبحث بلا جدوى!، ولكنه وفي كلّ مرة يجدّ كثيرًا من الجدوى في هذه اللاجدوى!.
ـ للقارئ أسلوبه أيضًا، مثلما للكاتب أسلوبه، ومثلما يمكن للكاتب الجيّد الموهوب التَّنَقّل بين أساليب مختلفة وتجريبها، دونَ أن يفقد شخصيّته وهويّته وبصمته، كذلك القارئ، يمكنه التَّنَقّل بين أكثر من أسلوب قرائي، دون أنْ يفقد من شخصيّته وهويّته وبصمته شيئًا، ثمّ وماذا إذا فقد؟!.
ـ الفقد في العمليّة الإبداعية: إبداعيٌّ أيضًا!، طالما أنه يعني حلول أطياب جديدة مكان أطياب قديمة، والأمر في نهاية المطاف ليس نفيًا، الجَمالُ لا ينفي بعضه بعضًا!، ولكنه عجن وخلْط وغَزْل وجمْع وتراكم!.
ـ هل بقي من الوقت والمساحة، ما يكفي للتحدث عن أنّ: كُتب أعدائنا ليست عدوّةً لنا بالضرورة!، لا أظن، لنؤجّل الأمر إذن إلى وقت لاحق بإذن الله، على الأقل إلى أن أتذكّر أين قرأت هذه الجملة، ومِمّن استقيتها!.