عن الكرم والتربيّة!
ـ عندما كان الضيفُ ضيفًا حقًّا، كان الكرمُ كرمًا حقًّا!.
ـ في أيامنا هذه، غالبيّة من يتم اعتبارهم ضيوفًا، هم ليسوا إلّا زُوَّرًا!، دعوتهم إلى وليمة غداء أو عشاء، أمر طيّب، وواجب اجتماعي لا خلاف عليه، وهو نوع من أنواع الكرم دون شك، لكنني أظنه أحد أقلّ أنواع الكرم، وهو بالتأكيد ليس مدعاة للتباهي!.
ـ في عيشة البادية والصحراء، كان الضيف بلا مأوى وبلا زاد تقريبًا، ينتقي من البيوت أكرمها سمعةً، فإن لم يعرف أو لم يجد، أناخ راحلته عند أقرب بيت، هذا هو الضيف الذي في إطعامه كرم، وفي إيوائه شجاعة وسماحة، هذا هو ضيف الحكايات التي نأنس بترديدها، أما ضيوف اليوم، وبالرغم من تأكيدي على واجب الاحتفاء بهم، فإنهم وكما قلت قبل قليل: زُوّار!، الذبيحة لهم احتفاء وليس فزعة!، وهي لذلك أدنى مرتبةً في سُلّم الطيب والكرم!.
ـ ليست هذه المقالة للمطالبة بتغيير ما هو متّفق عليه اجتماعيًّا، ومألوف بين الجميع، لكنها دعوة لمراجعة النفس والوضع والظروف والمتغيّرات، دعوة لرهانات جديدة، أذكر واحدة منها وعليكم البقيّة: من يشتغلون عندك ضيوف في بيتك، وإكرامهم في أن تُشعرهم بأنهم يشتغلون معك لا عندك!.
ـ أمور كثيرة يجب تحريكها في الفكر، على الأقل لمعرفة ما إذا كانت حيّة أم ميّتة!.
ـ منها مثلًا، فكرة ضرب الأولاد لتأديبهم، نعم.. الإسلام لم يحرّمها، لكن سماحة الإسلام وروح الدين أكرم من أن تجعل منها فرضًا وواجبًا أو سُنّةً مُستحبّة!،
ـ والآية الكريمة مُشِعّة: "وقل ربي ارحمهما كما ربّياني صغيرا"، دقّق في "كما" تجد أن المعادلة واضحة: التربية هي الرحمة!، وكل ما ليس فيه رحمة ليس من التربية في شيء!.
ـ قال لي: "كلنا حين كنا صغارًا، أهلنا كانوا يضربوننا، كبرنا.. وها نحن كما ترى"!،
قلت: كانت الأحوال والظروف مختلفة، اليوم حين يجد الطفل أن غالبية أقرانه لا يمسّهم أذى من لسان أو من يد، وأنه استثناء، سوف تتراكم عقده، هذا أولًا، أما ثانيًا، وهي الرد على "كبرنا.. وها نحن كما ترى"، فليس لها غير جواب لا تستوعبه الفصحى ولا يمكن لي قوله بغير العاميّة: "ومِن زِينِنَا"؟!.