2017-10-17 | 05:01 مقالات

هَيَّا نَشْتَرِ شَاعِرًا!

مشاركة الخبر      

 

 

 

ـ "هيّا نَشْتَرِ شاعرًا"!، يبدو العنوان مهينًا، ويمكنني تخيّل دَعِيُّ قراءةٍ ينتفض غضبًا، ويدبّج تغريدة منتفخة على غير "سَنَع"!.

 

ـ "هيّا نَشْتَرِ شاعرًا"، رواية لأفونسو كروش، لم أسمع بهذا الاسم من قَبل، لكنني اليوم على استعداد لقراءة كل سطر يحمل توقيعه، لقد صنع عجيبة من عجائب الزمن: علبة شوكولاتة على هيئة قصّة، وفي كل صفحة: حَبَّة ملَبِّس ولا أحلى!.

 

ـ يمكنك فقط قراءة أو عدم قراءة الصفحة الأولى، لكنك فيما لو قرأتها، فإنني أضمن لك عدم إمكانيّة ترك الكتاب قبل الوصول لآخر نقطة في آخر سطر، ولسوف تفعل ذلك بسهولة؛ فالرواية قصيرة، قصيرة جدًّا، قصيرة أكثر مما تتخيّل!.

 

ـ الكتاب كله لا يتخطى 95 صفحة، ويا لحرقة القلب لولا أمْر، يا لحرقة القلب: الحكاية تنتهي قبل ذلك بعشرين صفحة تقريبًا!، لولا أمر: هذا عمل شاعري مراوغ لا ينتهي أبدًا!.

 

ـ العنوان الصادم مقصود، حيث العالَم أصبح ماديًّا، ومحسوبًا بمقياس المنفعة المباشرة، على نحوٍ لم يسبق له مثيل!،.

 

ـ عائلة تشتري شاعرًا وتُسكنه في غرفة ضيّقة تحت السّلّم، تشتريه للتباهي، ولوجود فائض أرباح، حيث الأب تاجر شاطر، واقتصادي مرموق!.

 

ـ الأم تعاني من تسلّط الأب، إنه يطلب بصيغة الأمر!، الابن لا يقوى على التعبير عن عواطفه للفتاة التي يحب!، البنت وهي بطلة العمل وراوية الحكاية، تسجّل حركة الأشياء بطريقة مريبة: مضحكة لفرط دقّتها، وحسابيّة جافّة بحسب نفعيّتها المباشرة!، تفعل ذلك بحرص طوال الرواية، وبمبالغة كاريكاتيريّة، كأنها تسخر من ذاتها، هي كذلك بالفعل، تسخر فعلًا؛ لأن في داخلها شاعرة صغيرة، ولسوف يسقي الشاعر تلك النبتة بعجائب التشبيه والاستعارة!.

 

ـ سيصلك المعنى سريعًا: العائلة هي العالَم، بكامل طغيانه المادّي، وبمباهاته الفارغة، بكل بنكنوته وماركاته!، أما الشاعر فهو الفن!.

 

ـ ما قيمة الشعر؟!، وما دور الفن في هذه الحياة، وما أهميّته في هذا العالم اللاهث نحو الماركات وشركات الرعاية، والمحكوم بقياسات المسطرة والفرجار وبأزرار الآلة الحاسبة؟!.

 

ـ هذه الأسئلة التي يبدو أن الفنّ لا يمتلك إجابات لها، أو غير مهتم بالبحث عن إجابات عمليّة بخصوصها، والتي لا يلتفت إليها الشاعر بجديّة من أي نوع، هي التي ستجد مفاجآتها السّارّة في هذا المنجز الأدبي المدهش!.

 

ـ كتاب صغير، رواية قصيرة، حكاية بسيطة، صيغت بأسلوب ساخر إلى حد بعيد، وشاعري إلى حد أبعد، وقالت ما عجزت مكتبات كاملة عن قوله!.

 

ـ ولنا، بإذن الله، في "بلكونة الجمعة" موعد آخر مع أفونسو كروش وروايته المدهشة ذكاءً، والمجهشة ضحكًا وبكاءً!، وإلى ذلك الحين وبعده: هيّا نشتر هذه التحفة الأدبية!.