شباب .. الله يخلف
شاهدت شاباًَ نحيفاً يقف على حافة الرصيف يصعب عليك أن تعرف ما إذا كان ينظر إليك أو ينظر للجهة الأخرى بسبب شعره الأسود الكثيف وملابسه الغريبة التي كتب عليها بكل لغات العالم. تأملته طويلاً وتمنيت أن أعرف ما يدور تحت شعره المنكوش. توقفت بالقرب منه سيارة صغيرة فيها مجموعة شباب لا يقل شكلهم غرابة عن صاحبنا وركب معهم وانطلقوا بسرعة واختفوا في زحام السيارات. سألت نفسي إلى أين يذهب شبابنا؟ هل هم مدمنو مخدرات أم قنابل إرهابية موقوتة؟ أم هم مجرد شباب مراهقون تستهويهم الأشياء الجديدة وهي مرحلة سيتخطونها في يوم من الأيام؟
الشباب السعودي أصبح فئة منفصلة تماماً عن بقية فئات المجتمع, لا تختلط معه ولا تشاركه اهتماماته, ولا نراهم في تجمعاتنا ولا أسواقنا ولا مناسباتنا. فظلمنا الطويل لهم ونقدنا المستمر لملابسهم وتصرفاتهم, إضافة لطردنا لهم من الأماكن العامة والخاصة وشكنا اليقيني في كل تصرفاتهم جعلهم ينعزلون عنا ويشكلون ثقافتهم الخاصة. وعندما يمرون بجانبنا وهم متراصون في سياراتهم الصغيرة نتجنبهم ونفتح لهم كل المسارات ونحن ننظر للجهة الأخرى حتى لا نرى ما يحدث داخل تلك السيارة.
أوافق الكثيرين, أن الجنون يتملك قلوب وعقول شبابنا ولكن في داخلهم أيضاً الكثير من الإبداع. فمن يزور موقع يوتيوب ويشاهد ما يقوم به شبابنا يكتشف أن الإبداع والجنون توأمان سياميان لا يستطيع حتى الدكتور الربيعة فصلهما. كما أن المتابع لتلك المقاطع يكتشف أن شبابنا مصاب بخفة دم لا تقاوم. ما يميز شبابنا عن شباب العالم هو نخوتهم ومساعدتهم لمن يحتاج للمساعدة حتى لو عرضوا أنفسهم للهلاك. الكوارث التي حدثت وتحدث مع كل قطرة مطر تنزل على مدينة سعودية جعلتنا نرى وجهاً آخر لتلك الوجوه المختفية تحت الشعور المنكوشة. فشبابنا قاموا بكل أدوار البطولة, فأنقذوا من حاصرتهم السيول ونظموا المرور ونقلوا المصابين للمستشفيات.
لدينا جيل مميز إذا استطعنا أن نعيده من جديد لمجتمعنا ونحتويه فإننا سنكسب كنزاً عظيماً لا يقدر بثمن. أما إذا خسرناه فإننا أمام كارثة حقيقية لا يمكن تحمل عواقبها. أتمنى أن تلتفت الحكومة للشباب من خلال مشروع وطني لإخراج الشباب من الشارع. نحن بحاجة لصرف بلايين الريالات على ترفية الشباب وشغل وقت فراغهم بإنشاء أماكن يمكن للشباب أن يقضوا فيها وقتاً ممتعاً بحرية وسلام ودون عيون تلاحقهم وتتجرأ عليهم وتتمنى أن يغادروا المكان قبل أن يدخلوه.