2013-07-25 | 19:41 مقالات

الفكر والتراب

مشاركة الخبر      

جاءت ساعات البث الطويلة لتجبر القنوات الفضائية للعودة للأرشيف القديم وتعرض الكثير من الأفلام والمسلسلات والبرامج بالأبيض والأسود.وشاهدنا نجوم الفكر والفن والثقافة والرياضة وهم يبدعون وتعرض مهاراتهم وهم في ريعان الشباب.ثم نشاهدهم في برامج وأفلام ومسلسلات وهم أكبر سنا وأنضج تجربة ونرى خطوط العمر وتجاويف الزمن.ولهذا شكرا للتقدم التقني والعلمي الذي حفظ لنا هذه الأشياء وأصبحنا نشاهدها بكل وضوح ونقاء.ودخلت في خيال جميل تمنيت فيه وتخيلت أن التقنية والتصوير وحفظ الأحداث قد كان موجودا في عهود سابقة وأنه كان بإمكاننا أن تكون لدينا أفلام حقيقية عن حياة العهود السابقة.وأن معارك حاسمة في تاريخنا الإسلامي قد ظهرت أمامنا كما حدثت مثل معركة القادسية وبطولة سعد بن إبي وقاص وبطولات عمرو بن العاص وفتح الشام وطارق بن زياد وفتح الأندلس وخطبته الشهيرة وصلاح الدين وحربه ضد الصليبين وغير ذلك من الأحداث الجميلة.كما أتخيل أمامي فيلماً حقيقياً لدروس أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل ومعلقات الشعر العظيمة وهي تلقى في سوق عكاظ وحياة المتنبي والبحتري وجرير.وكيف عاش ابن خلدون وابن رشد والعلماء الذين لازال العالم يدين لهم بالفضل مثل الخوارزمي وابن الهيثم وجابر بن حيان وابن سيناء وغيرهم.ولهذا عندما أرى قيادات عالمية مثل الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه في بعض اللقطات التاريخية المصورة وهو يقود وطنه للوحدة والمستقبل ويدير النفط ويفتح أول إنتاجه أو وهو يقابل رزوفلت ويتعامل مع السياسة الدولية أو يخطب في جموع المسلمين في مكة المكرمة وفي موسم الحج أشعر بالتقدير العظيم لهذه الشخصية العظيمة.لكن جاءت الأفلام وشوهت بعض هذه الشخصيات عندما ربطنا عبدالله غيث وأنطوني كوين بصورة حمزة بن المطلب رضي الله عنه وأرضاه أوعمر المختار.لكن الدرس المستفاد أن الذي يبقى بعد وفاة الإنسان هو الفكر وماخلفه للبشرية من عطاء وعلم وخدمة إنسانية ومؤلفات معتبرة، فقد مات بعض هؤلاء المبدعين وهم في تواضعهم وبساطتهم بل بعضهم مات فقيرا معدما لكن بقيت مؤلفاتهم وإنجازاتهم الفكرية والسياسة للناس ينتفعون ويستفيدون منها، أما الذين توغلت الأنانية في أنفسهم وبنوا ثروات طائلة في عصورهم فقد ذهبوا ولم يذكرهم التاريخ، فهل نعرف تجار وأثرياء العهد الأموي أو العباسي أو العثماني أو الأندلسي بينما نعرف العلماء والمخترعين والموهوبين. ولهذا فهي رسالة في هذا الشهر الكريم إلى الأثرياء والميسورين في أن يساعدوا الفقراء والمحتاجين وينفقوا مما أعطاهم الله، فالأكفان ليس لها جيوب وهذه الأموال حري بكم فيها لدعم الأبحاث والعلماء وإقامة المستشفيات ودور العلم والتدريب والصدقات، لأن ذلك هو ماسينفعكم عند الله عز وجل.وأختم ببيت من الشعر للشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري رحمه الله حينما قال: لغز الحياة وحيرة الألباب ـ أن يستحيل الفكر محض تراب.