2014-08-17 | 07:03 مقالات

رجال الدولة الأوفياء

مشاركة الخبر      

الدول الراسخة في التاريخ وفي الحضارة وفي تأسيس العمران والمدنية، تقوم على الرجال المخلصين، الذين يدينون بالولاء لولاة أمرها، ويعملون بالقرب منهم، ويكونون رجالهم المخلصين، الذين يديرون الأعمال، ويرتبون الداووين، ويجتهدون في مختلف الأعمال، من أمن وتربية وإدارة واقتصاد . ودولتنا العظيمة المملكة العربية السعودية راسخة في التاريخ، ودولة ممتدة في أطوار ثلاث، منذ عهد الإمام محمد بن سعود ـ رحمه الله ـ من فترة زمنية تقارب الثلاثمائة سنة . ومنذ عصر الدرعية، تلك المدينة التي شهدت تأسيس الدولة السعودية الأولى.. كان رجال الدولة يعملون بإخلاص وولاء وحب وطاعة لله، ثم لولاة الأمر، حفظهم الله .

وفي عهد المؤسس البطل الموحد الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود ـ رحمه الله ـ ضربت أعظم الأمثلة على جهود الرجال المخلصين، الذين التفوا حوله، وعملوا بطاعته، وقدموا أرواحهم بصدق وإخلاص، بعد أن رأوا فيه الصلاح والعمل لدعوة الإسلام الخالدة . وفي عهده عهد التأسيس، توسع في استقطاب الرجال المخلصين، وكان مقدراً لرجال البدايات والاهتمام بأبنائهم، والثقة بهم، كونهم مكون أساسي في ملحمة التوحيد الخالدة.واستمر الأمر في أبنائه من بعده، حيث واصلوا الثقة في رجال والدهم، والأكفاء من أبنائهم، مع شمولية ذلك لجميع أبناء المملكة العربية السعودية، دون تحديد أو تمييز . وكان أحد هؤلاء الرجال معالي الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن سويلم ـ رحمه الله ـ الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى بعد حياة حافلة بالعمل والإخلاص، وخدمة الدولة في محطات إدارية هامة، كان فيها نعم المسؤول المخلص العامل الجاد، حتى عرفه الناس وشهدوا وقدروا ماصنعه . والناس شهود الله في أرضه، حيث توافد المعزون من كل مكان يشاركون أبناءه وعائلته ومحبيه العزاء في هذا المصاب الجلل . ويعتبر الشيخ عبدالله من رؤوس أسرة آل سويلم، ومن أبرز رجالهم الميامين . وقد عاش على ماعاشت عليه أسرته من كرم وشهامة وأخلاص .أما والده فهو الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن سويلم قدم من ثادق، إلى الرياض ودرس على يد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ وعين قاضيا آنذاك . وعمل الشيخ عبدالله وهو في ريعان شبابه عند الملك عبدالعزيز، ثم أصبح مع الأمير سلطان في الرياض، وبعد ذلك مع الملك سعود إلى أن أصبح رئيس الشؤون الداخلية في الديوان الملكي. واشتهربالشهامة والحكمة والكرم والتواضع وحسن الخلق، وباب بيته مفتوح لمن قصده، وقد ربى أولاده تربية صالحة مكنتهم من تولي مناصب مهمة بالدولة . وكنت أجد منه البشاشة والاحتفاء، رغم فارق السن، ويذكرني بعلاقته بوالدي ـ رحمه الله ـ الشيخ صالح بن محمد بن مصيبيح ، حيث تربطهم أواصر علاقة المحبة والتقدير والجيرة .

وأذكر في أحدى زياراتي حدثني بقصة حدثت له لعب فيها والدي دورا رئيسيا تدل على عمق العلاقة ومكانة المرحومين آنذاك .حيث قال إن من حرصه على العمل خلال عمله في الديوان الملكي بمعية الملك سعود ـ رحمه الله ـ كان يأخذ بعض العمل لإنجازه في البيت .وفي إحدى الليالي، بينما كان يؤدي عمله طرق عليه الباب والدي ـ رحمه الله ـ وكان الوقت متأخراً وهذا محل استغراب أن يأتي الشيخ صالح، في هذا الوقت .

وبعد أن فتح الباب ودخل ورفع يديه قائلاً الحمدلله الحمدلله ياشيخ عبدالله، حيث شاهدني لوحدي أعمل على الآلة الكاتبة، وكانت حديثة الاستعمال في ذلك الزمان، وكان صوتها قوياً قريباً من صوت الطبل، وبأنغام حسب كل حرف. فقلت ما الأمر ياشيخ صالح، وقد جئتني في هذا الوقت المتأخر من الليل . فقال بأن رجال الحسبة طرقوا عليّ الباب بعد أن سمعوا صوت الآلة، وظنوا أن هذه الآلة نوع من الدف، وربما يكون عندك دفوفاً أو عملاً غير مقبول في هذا الليل، وطلبوا مني أن أطرق الباب وأرى الوضع قبل المداهمة كنوع من النصح والتثبت . ولثقتهم بك وبأخلاقك وسمعتك لم يستعجلوا حتى يكون هناك من يتبين الأمر، وعندها لا مجاملة في الأمر . ولهذا بعد أن شاهد الآلة الكاتبة وتأكد، دعاهم للدخول وطمأنهم للوضع . وهنا دلالة على طيب النفوس وتعاونها على البر والتقوى، ومثال لإخلاص الشيخ عبدالله وعمله في وقت متأخر، وجماليات البدايات التي أسست هذه الوطن، لأن القصة قد تعود إلى ستين عاماً تقريباً. ونأمل أن يقوم من أبنائه وأحبابه في تأليف كتاب يجمع تاريخ وعمل وكفاءة هذا الرجل، والقصص والمواقف التي كان يرويها، والوثائق والمراسلات التي تحكي تاريخاً مهماً من تاريخ بلادنا الحبيبة .

رحم الله الفقيد معالي الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن سويلم وأسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون .