لا خوف على الفاسدين!
يبدو أن المشكلة تتفاقم في أوروبا، مشكلة المال المُبالغ فيه، الذي يُدفع ثمنًا لشراء اللاعبين..
الاتحاد الأوروبي "يويفا" يسعى إلى تطهير اللعبة من الفساد ومن المفسدين، وأكثر صور هذا الفساد وضوحًا يمكن مشاهدتها في المال الذي يصرفه مُلاك الأندية على صفقات التعاقد مع اللاعبين، ولهذا اخترع ميشيل بلاتيني "الذي كان رئيسًا لاتحاد اللعبة في أوروبا"، ما يسمى بقواعد اللعب المالي النظيف، والتي تنص في أجزاء منها على ضرورة ألا يزيد إنفاق أي نادٍ عن مصادر دخله خلال عدة سنوات، وحماية سلامة ونزاهة مسابقات الاتحاد الأوروبي، وتحسين القدرة الاقتصادية والمالية للأندية وزيادة الشفافية والمصداقية، وتخفيف الضغـط على الرواتب ومبالغ الانتقالات والحدّ من تأثير التضخم.
لكن، منذ أن اُخترع القانون النظيف "عام 2009"، وبعد أن بدأ تطبيقه "عام 2011"، لم يساعد في حل المشكلة، ولم يفلح في صد هذا التدفق المالي المهول في أرصدة اللاعبين المنتقلين من فتحة قميص إلى فتحة قميص آخر، كانت هناك دائمًا وسيلة لجعل هذا المال نظيفًا وقانونيًّا، وكان الجميع يعلمون أنه مال "قذر"، لكنهم لا يستطيعون إثبات ذلك، وربما أنهم لا يريدون، وهو ما جعل الفرنسي آرسين فينجر مدرب نادي أرسنال الإنجليزي يصيح بوضوح: "بداية كنت أرغب في وجود قاعدة اللعب المالي النظيف، لكن الآن أعتقد أنها يجب أن تُلغى.. من المخجل أن تكون هناك قاعدة لا يمكن فرضها على الجميع".
أسعار شراء اللاعبين تقفز بشكل مريب.. لأكثر من ثلاثة أعوام احتفظ الويلزي غاريث بيل مهاجم ريال مدريد الإسباني بسعر الانتقال الأعلى "101 مليون يورو" من توتنهام هوتسبير، ثم أزاحه الفرنسي بول بوجبا بـ"105 مليون يورو" حاسمًا أمره، وحازمًا حقائبه، إلى مانشستر يونايتد الإنجليزي، فجاء البرازيلي نيمار داسيلفا مهاجم برشلونة الإسباني، قبل شهر وخطف مكانهما ومكانتهما، ورفع السعر إلى "222 مليون يورو" ذهابًا إلى باريس سان جيرمان الفرنسي.. هكذا، تضاعف السعر في غمضة عين، ثم وقع برشلونة مع الفرنسي عثمان ديمبلي "140 مليون يورو" في صفقة شراء من بوروسيا دورتموند الألماني، وفي طابور الانتظار يقف الفرنسي الآخر كيليان مبابي مهاجم موناكو، أملاً في إتمام صفقته المقدرة بـ "180 مليون يورو"، سيتكبدها باريس سان جيرمان المملوك لحكومة دولة قطر.
هذا الدفع "الطائل" للأموال، هل يجب إيقافه فعلاً؟!.. أعني ما الذي يمكن أن يصيب كرة القدم اللعبة الجميلة، المبهجة، في حال استمر صرف المال، بهذا الشكل "الفاحش"؟!..
بالنسبة للاعبين، لا يوجد شيء مزعج في ذلك، هذه هي الأسعار، واللعبة أصبحت دكانًا للكسب.. إيريك داير لاعب وسط توتنهام هوتسبير الإنجليزي، يقول: "هذه طبيعة العالم، علينا إدراك حقيقة أن كرة القدم أصبحت ملعبًا للتجارة أيضًا، لو وجدنا لعبة أخرى بمثل هذه الإيرادات فبلا شك سنجدُ أن من يُمارس تلك اللعبة يتقاضى أجورًا مُشابهة للاعبي كرة القدم".
نعم، قال كلامًا صحيحًا، لكن آرسين فينجر قال أيضًا كلامًا صحيحًا، لا تضع قوانين تعجز تمامًا عن حمايتها بتطبيق ما جاء فيها، لكل قانون هناك حيلة أو اثنتان لتجاوزه، وفي مقابل ذلك لكل تجاوز قانون آخر يردعه، ولكل ثغرة، تصحيح يملأ جوفها!..
في كرة القدم السعودية، لا يوجد لدنيا قانون للعب المالي النظيف ولا قانون للعب المالي القذر، لا توجد لدينا قوانين أصلاً، ولهذا يمكن أن يكون النادي مدثرًا بديونه، ومع ذلك يستمر في التعاقد مع لاعبين من خارج البلاد ومن داخلها، ويسمح له بالتسجيل، يمكن أن يعاقب نادٍ على ذلك، ويترك آخر، يمكن أيضًا أن تضع إدارة ما في اتحاد اللعبة ضوابط صارمة لكنس الديون، ثم تأتي الإدارة التالية في الاتحاد نفسه وتكنس هذه الضوابط.
في كرة القدم السعودية، يمكن للقانون أن يُعطل قليلاً، حتى تمر القافلة، وإذا مرت القافلة فلينبح النابحون، إذ لا قانون ولا خوف على الفاسدين ولا هم يحزنون!.