المخرج الأمين
في زمن سابق.. عندما كنا نتابع التلفزيون السعودي في نقله لمباريات الدوري ونحن صغار، اعتدنا أن يعمد المخرج إلى نقل الكاميرا إلى الجماهير عندما يكون هناك تشابك أو مشاكل داخل الملعب بين اللاعبين، ويكون وضع الجماهير هادئاً يتحدثون مع بعضهم جلوساً ويستمتعون بالفصفص الذي كان يبيعه العم سعيد أبو مرزوق، وكنا نغتاظ من هذا التصرف، إذ من حقنا كمشاهدين أن نعرف ما يتم داخل الملعب، أما الآن فقد نقل لنا مخرج التلفزيون السعودي الأمين والمميز ما حدث في مباراة النصر والاتفاق من واقع مخجل ومحزن ليس للجماهير الرياضية وإنما (الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه) تعدى الأمر إلى الإداريين ومن هم في هرم الإدارة، حيث التوتر والانفعال والغضب الشديد وكأن كرة القدم هي عنف وصراع وحدة بدلا من أن تكون تسلية ومتعة وسعادة.
فجمهور الفريقين خرج في صراع شديد، ورمي الزجاجات المائية والنيران الحارقة والهيجان والصراخ بشكل لا يبشر بخير ولا يسعد من هو متحمس لدوري محترفين جيد، وقبل ذلك كانت مباراة الأهلي والشباب وما حفلت به من سلاطة لسان وتهجم بين نجوم الفريقين، كل هذا ونحن لا زالنا في بداية الدوري، وكذلك حدثت مثل هذه الأمور في مباريات أخرى.
لم أشاهد مباراة النصر والاتفاق إلا في الإعادة وفي ربع الساعة الأخير من المباراة، ولاحظت كيف يتصرف الحكم العجيب بأن طلب من إداري النصر التدخل لتهدئة الجماهير، فذهب بعاطفة غير موزونة وبحماس يشكر عليه إلى الحديث مع عوام ومنفعلين كان من الممكن أن يعرض نفسه لخطر غضب منهم برمي شيء عليه أو من جمهور الفريق الآخر، وهذه مسؤولية إدارة الملعب وجهاز الأمن بالدرجة الأولى، والاستعداد المسبق للضبط والربط ومنع المحظورات والمقذوفات النارية من الدخول للملعب.
ونقل المخرج الأمين صورة واضحة لما حدث في الملعب من انفعالات من الإداريين ومن الجماهير، ونقل لنا هيجان جماهير الفريقين والشحن الكبير الذي كان عليه جمهور كل فريق، وهذه مسؤولية الباحثين في مجال الشغب الرياضي لدراسة الأبعاد النفسية لهذا الحماس والهيجان الواضح على وجوه الجماهير.
ولعل اتحاد كرة القدم يكلف متخصصين في الحشود وعلم النفس الرياضي والجماهير لدراسة هذه الظاهرة وإعداد التوصيات بشأنها، وأرى أننا أمام معضلة كبرى من المفيد أن هذه الأحداث حصلت مع بداية الدوري لاقتراح إقامة ندوة رياضية كبرى تعقد عاجلا ليوم واحد يحضرها أعضاء مجالس الإدارة في دوري المحترفين وعدد من الأكاديميين، والمفكرين والكتاب وموجهي الرأي العام، وأعضاء اتحاد كرة القدم والحكام والإعلاميين وبعض علماء الدين، لطرح مفاهيم الأخلاق في ديننا الحنيف التي نسيت هذه الجماهير العمل بها، فلا غضب ولا انفعال ولا سوء أخلاق ولا اعتداء على الآخرين ولا سب ولا شتم ولا تنابذ بالألقاب، ولا أي سلوكيات مشينة غير السلوك الحميد الذي حث عليه ديننا الحنيف، والناشئة أمانة في أعناقنا لا يجب تركهم يعتادوا على العنف والتهور وسوء الخلق.