الأولمبياد .. وهيئة الأمم
(الصين أبهرت العالم)..
جملة مفيدة في اللغة العربية.. وفعلاً كانت مفيدة، وفي بلاغتها أوجزت ما تناقلته وسائل الإعلام بمختلف قنواتها عبر رؤاها الشخصية أو نقلها ورصدها للحدث ورؤى الآخرين حوله.
و(الصين أبهرت العالم) يقصدون بها ما قدمته في حفل الافتتاح من إبداع.. أكد القدرة على استثمار الإمكانات وتوظيف القدرات.
أكدت الصين وكما قلت في منتصف الأسبوع الماضي وتحت عنوان: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)، إن الإنسان يختزن في داخله طاقات وقدرات هائلة.. وان النجاح الحقيقي هو في القدرة على تفجير هذه الطاقات، وتوظيف هذه الإمكانات، سواء من الناحية الفنية داخل الملاعب والميادين، أو في التعامل مع التقنية وتطويعها لتقديم أعمال إبداعية أشبه ما تكون بأفلام الخيال العلمي، مؤكداً على أن المتأمل لقدرات الإنسان وطاقاته وإبداعه، لا بد أن يُدرك أن وراء ذلك قدرة أكبر وأقوى، هي قدرة وقوة خالق هذه النفس البشرية التي قدمت هذه الأعمال، لنكون أكثر قرباً من خالقنا عز وجل وأقوى إيماناً به وبملكوته.
و(الصين أبهرت العالم)..
سأخرج بها من نطاق ضيق محصور على الصين إلى نطاق واسع وأشمل، إذا ما نظرنا إلى بكين (2008).
هذا الإبهار في نظري يمكن أخذه من ناحيتين.. إحداهما عامة وتُعنى بالأولمبياد كحدث والأخرى خاصة بالصين وتقديمها للحدث وتعاملها معه.
أولا: الأولمبياد كحدث
مائتان وخمس دول شاركت في أولمبياد الصين أو كانت ستشارك فعلاً، لكن التي دخلت الملعب مائتان وأربع دول كلها تنضوي تحت لواء اللجنة الأولمبية الدولية.. و40 رئيس دولة حضروا حفل الافتتاح في الملعب ذاته.
سياسياً.. فإن عدد الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة وهي أعلى وأكبر وأهم تجمع سياسي دولي عالمي، مائة وأربع وتسعون دولة.
أي أن خُمس رؤساء العالم حضروا حفل الافتتاح بل أكثر بقليل.
وبلغة الأرقام نُدرك كيف تلعب الرياضة دوراً هاماً في حياة الشعوب أكثر مما تلعبه السياسة.
وأن من أبرز وأهم أهداف الرياضة وأدوارها تجميع ما تفرقه السياسة، وإعادة بناء ما (تهدمه) وأن الروح الرياضية دائما ما تنتصر.
وقفت الحرب في لبنان ذات مساء... وفي دارفور ذات نهار.. وفي كثيرٍ من بقع العالم الساخنة لمشاهدة مباراة في كأس العالم أو متابعة حدث رياضي.
أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية أكثر من أعضاء هيئة الأمم المتحدة.
ورئيس اللجنة الأولمبية الدولية يقف في مصاف رؤساء الدول ويتقدم على كثير منهم في بعض المناسبات، ويجلس إلى جانب رئيس الدولة المنظمة، ومن خلفه رؤساء دول آخرون.
قرارات اللجنة الأولمبية الدولية تحترم، وقرارات هيئة الأمم المتحدة حبر على ورق، تشريعات اللجنة الأولمبية الدولية واضحة ومحددة قوانينها، أهدافها، مبادئها.. مرجعيتها واضحة، ولا اجتهاد في تفسيرها.
تشريعات هيئة الأمم مطاطة قابلة للتأويل كل يفسرها على ليلاه، دون مرجعية ثابتة.
قرارات اللجنة الأولمبية ملزمة ونافذة، وقرارات الأمم المتحدة للحفظ والتسجيل والتاريخ.
(الفيتو) يلعب دوره في هيئة الأمم المتحدة، ولا (فيتو) في اللجنة الأولمبية.
ست دول، تتحكم في مصير العالم عبر هيئة الأمم المتحدة ترفض ما تريد وتوافق على ما تريد.
الدول ذاتها تخضع لقوانين اللجنة الأولمبية الدولية، لا فرق بين أمريكا وبنين، لا فضل لعرق أو لون أو جنس.
كم عدد القرارات التي صدرت من هيئة الأمم المتحدة وتم تنفيذها بالفعل؟
وكم عدد القرارات التي صدرت من اللجنة الأولمبية الدولية ولم تنفذ؟
ثانياً: الصين والأولمبياد
في منتصف الأسبوع الماضي، تحدثت عن الأولمبياد كتظاهرة عالمية، تحدثت عن ثقافة الأولمبياد عن استثمار هذه التظاهرة في تقديم رسالة للعالم وفي الاستثمار المادي أيضاً.
في حفل الافتتاح يوم الجمعة الماضية قالت الصين أشياء كثيرة.. ما لم تقله في حفل الافتتاح أكثر، ومن المؤكد أنها قالته وتقوله على أرض الواقع للذين يحضرون الحدث ويتعاملون معه.
الصين.. بلد المليار نسمة، الذين كانوا إلى عهد قريب جداً، يعيشون عقوداً من العزلة خلف ستار حديدي، تحت ظل الحكم الشيوعي.
الصين.. أرادت أن تقول من خلال حفل الافتتاح بل ومن خلال الأولمبياد ها أنذا.
أرادت أن تؤكد على أن (الشعب إذا ما أراد الحياة) فلا بد أن تستجيب له كل الظروف والمعطيات.
وأن المليار نسمة وأكثر لديهم الاستعداد والقدرة على الانفتاح على العالم، دون أن يتأثر جوهره وإيمانه بهدفه.
الصين قدمت رسالة واضحة للعالم كبلد سلام يرعى السلام ويدعم السلام ويتجه نحو السلام.
البطل الأولمبي الذي طار بالشعلة يطوف سقف الملعب ليضيء بها المرجل.
وحمامة السلام التي رسمها شباب الصين على أرض الميدان بتشكيلة فريدة ورائعة يتحرك جناحاها خافقين في إيماءة واضحة نحو التحليق.
و(عش الطائر) هو اسم وشكل الميدان الذي تم على أرضه الافتتاح وعلى أرضه تتم المنافسات كلها رسائل أو بالأحرى رسالة تعني هدف الصين ونظرتها للأولمبياد.
هذا ما شاهده العالم، وما يعايشه المشاركون هناك ربما كان أكثر.
وتاريخ الصين العريق الذي تم التعبير عنه في حفل الافتتاح هو جزء من هذه الرسالة.
لكن الصين لا تريد أن تتوقف عند هذا فقط، ولا تريد أن تقدم هذه الرسالة فقط. ولا تريد أن تعبر عن ذاتها من خلال الحفل فقط.
الصين تريد أن تقول كلمتها من خلال النتائج وتعبر عن حضورها من خلال الأرقام وتتوج نجاحها بالميداليات.
والمتابع لمشاركة الصين في الدورات الأولمبية يلمس هذا التوجه والتطور في الرياضة الصينية.
ومنذ دورة أتلانتا (الولايات المتحدة) عام 1996 وإلى اثينا (اليونان) 2004 مروراً بسيدني (أستراليا) 2000، أصبحت الصين المنافس الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية على صدارة الأولمبياد، وإن كانت الأولى ما زالت هي المسيطرة وبفارق واضح.
ومن المؤكد أن أحداث العالم بعد 1990 وتحولات ما سمي بالعالم الجديد، وتفكك الاتحاد السوفيتي أضعف هذه الدولة رياضياً، إذ كانت المنافس الوحيد بل وتتفوق أحياناً على الولايات المتحدة حيث تفرق لاعبو الاتحاد على دوله، ولم تعد روسيا ذلك المنافس القوي للولايات المتحدة ولم تعد (أحادية القطب) تعبيراً سياسياً فقط، ولكن حتى على المستوى الرياضي في الأولمبياد.
وبدأت الصين تظهر كقوة عظمى في هذا المجال ولعل النتائج الأخيرة تؤكد ذلك.
لا أتحدث هنا عن الترتيب في تلك الدورات ولكن العودة إلى لغة الأرقام ونتائج المسابقات وحصاد الميداليات يؤكد ذلك حيث لوحظ تصاعد الرصيد الصيني من الميداليات دورة بعد أخرى على حساب الولايات المتحدة، وهذا ما جعل كثير من المراقبين والمحللين يتوقعون منافسة قوية بين هاتين الدولتين في دورة بكين، وذهب بعضهم إلى إمكانية تفوق الصين وسحبها البساط والسيطرة والتفوق من الأمريكان.
كثيرون يتمنون ذلك، إما لموقف تجاه الولايات المتحدة أو رغبة في اتساع قاعدة المنافسة وهذا في صالح الرياضة العالمية والحركة الأولمبية.
والله من وراء القصد
لكم (القدم).. ولنا (الأولمبياد)
جاري العزيز (العزيز فعلاً) والصديق مساعد العبدلي يقلقني كثيراً لكنه يريحني أكثر.
كثير من الأحيان تخطر في بالي فكرة ما احتفظ بها لمنتصف الأسبوع يفاجئني (أبو نواف) بمناقشتها.
والأفكار ليست حكرا على أحد.. والفضاء مليء بها.
المهم.. القدرة على اصطيادها والتعامل معها وارتاح عندما يعبر الصديق مساعد عما بداخلي بل وأكثر بمختصره المفيد.
آخر هذه الأفكار حول كرة القدم والأولمبياد، ومحاولة جوزيف بلاتر وفيفا دعمها وتنشيطها في الأولمبياد.
عندما نشأت الألعاب الأولمبية لم تنشأ أساساً على كرة القدم ولم تفكر في كرة القدم سواء كان ذلك قبل الميلاد، أو في العصر الحديث في نهاية القرن التاسع عشر وتحديداً عام 1996.
بل إن كرة القدم لم تدخل الأولمبياد إلا في وقت متأخر من بدايتها وكرة القدم أيضاً نأت بنفسها عندما ابتدعت كأس العالم لكرة القدم فقط.
وكرة القدم في الأولمبياد لعبة من أصل عشرين أو ثلاثين لعبة، والوصول من خلالها للأولمبياد يمر عبر طريق طويل وشاق.
لهذا، فإن الدول المتحضرة والمتقدمة رياضياً لا توليها أدنى اهتمام في المجال الأولمبي، لأنها تدرك أن بذل الجهد مادياً وفنياً على لاعب واحد قد يحقق إنجازاً يفوق به ما يتم بذله على فريق بكامله.
الأولمبياد، لها طقوسها ولها جمهورها ولها متابعوها، وكل محاولات فيفا بدعم هذه اللعبة في الدورة الأولمبية لن يكتب لها النجاح في نظري.
التساؤل المطروح.. ما هدف فيفا من ذلك؟ عندما يوافق أو يقر مبدأ دعم المنتخبات الأولمبية بعدد معين من اللاعبين المحترفين، ويدخل في صراع مع أنديتهم؟
هل هو لتنشيط اللعبة في الأولمبياد، ودعم الأولمبياد جماهيرياً؟
الأولمبياد ليست في حاجة إلى كرة القدم، وكرة القدم وإن احتاجت فلن تستطيع أن تصرف الأنظار أو بالتحديد تجلب بعض الأنظار.
سادتي فيفا..
لكم كأس العالم كل أربع سنوات كما هي الأولمبياد ولكم كأس الأمم الأوروبية، ولكم بطولة القارات وكؤوس الأمم القارية وبطولات الأندية والدوري المحلي.
دعونا نستمتع بهذه الألعاب.. دعونا نتأمل في قدرة هذا الإنسان، دعونا نتأمل في إمكاناته وبراعته.. دعونا ننسى كرة القدم ونعيش الأولمبياد ولو شهراً واحداً مرة كل أربع سنوات.
أصدقاء المنتصف
في منتصف الأسبوع الماضي، تناولت موضوع الأولمبياد وثقافته ونظرة العالم له كتظاهرة والاستثمار من خلاله.. إلخ، كما تطرقت في فقرة صغيرة إلى التعليق على مقابلة أجريت مع كماتشو رداً على ما نُشر على لسانه في صحيفة برازيلية حول الوضع في السعودية، كنت قد تطرقت له في منتصف الأسبوع قبل الماضي.
حول موضوع كماتشو وردني هذا التعليق من الأخ عيد رجا
ـ يقول الأخ عيد بعد حذف بعض العبارات من تعليقه: إن الذي يتحمل المسؤولية هو ذلك المصدر الذي نقلت عنه الخبر ذلك المصدر الذي طالما نقل إلينا الأخبار المغلوطة والمفبركة فليتك تتوخى الحذر ولا تتبنى موضوعاً أو نقداً على خبر من ذلك المصدر.
ويضيف: ومن يسمي الفبركة اجتهاداً يجب أن يقاطعه العقلاء ولا يعتمدوا عليه ولا ينقلوا عنه، فقد حذرنا الله سبحانه وتعالى منه في محكم كتابه.
الأخ عيد
كلامك جيد، خاصة الفقرة الأخيرة ويبدو ـ وأنا متأكد ـ أنك لم تقرأ تلك الجريدة (المصدر) وإنما عرفت عنه من خلال موضوعي ونسبتي لها.
رأيك في هذا المصدر شأن يخصك، وهو عملية نسبية، قد يرى غيرك حياديته، كما يختلف معك حول مصادر أخرى ترى أنت حياديتها.
ما يتعلق بي، وبالموضوع فأنا تعودت أن أتأكد وأن أنسب إلى مصادر حتى يكون الموضوع موثقاً.. هذا أولاً.
وثانياً.. موضوع كماتشو تم نشره في جريدة برازيلية والمصدر الذي تتحدث عنه لم يفبرك ولم ينسب لنفسه وإنما نشر الخبر موثقاً مع صورة الجريدة وكماتشو نفسه في حديثه أشار لذلك وللصحف البرازيلية.
أرجو يا أخ عيد، أن تتأكد أنت أيضاً، وأشكرك على ما جاء في مقدمة رسالتك (لم أنشره)، وأبادلك المحبة والتقدير.
الأخ صالح
أشكر لك ثقتك.. وتفهمك للموضوع.
في منتصف الأسبوع المقبل
ـ أنديتنا و(المحروم) الذي طاح على كنز أو إرث بالملايين.
ـ 75000 راتب يومي و15000 ريال في الساعة.
ـ ملايين اليورو طارت هباءً منثوراً!
ـ نصف موسم لتجهيز لاعب جاء جاهزاً.
ـ هذه بضعة عناوين أو عناصر موضوع كان يفترض أن أناقشه أو أتطرق إليه في منتصف هذا الأسبوع ووجدت أن الموضوع أثناء الإعداد له يحتاج إلى مزيد من المعلومات ليكون أكثر دقة ووضوحاً، وحتى يكون طرحه ومناقشته مبنياً على أسس واضحة.. لهذا رأيت تأجيله لأسبوع مقبل بإذن الله.
والله من وراء القصد،،،