2018-09-29 | 02:26 مقالات

قبل أن يموت المبدع

مشاركة الخبر      

بالأمس قررت أن أكتب عن المبدعين الأحياء، الذين يعيشون بيننا ويقدمون إبداعاتهم، قررت أن أكتب عنهم حتى يستطيعوا أن يقرؤوا ويشعروا بما نحمله لهم من حب وعن أهميتهم في حياتنا وتأثيرهم الإيجابي علينا.
قبل قراري هذا كنت قد استضفت في برنامجي الإذاعي السابق مجموعة من المبدعين، تقصدت أن تكون دائماً مقدمة اللقاء مسهبة في وصف الضيف والإشارة إلى إبداعه وإبراز جماله، مازلت أذكر بعد انتهائي من مقدمة أحد الضيوف كيف بكى وقال لي كنت محتاجاً لهذه الكلمات كثيراً، ومازلت أذكر ما قاله لي زميلي في الإذاعة: ألا تعتقد أنك تطيل في المقدمة وتمدح ضيفك، وأنك أثناء الحوار لا تبحث عن أخطائه ولا تسأله عنها؟ قلت له إن الضيوف لهم سنوات طويلة في مجالهم وقدموا خلالها من الإبداع؛ ما جعلني أتصل بهم حتى أستضيفهم في البرنامج، وإن لم أظهر جمالهم في الحلقة فكأنني متخاذل مع القبح والسلبية، هؤلاء تعبوا في مشوارهم طويلاً، وتحملوا في سبيل موهبتهم كثيراً، متى سنقول عنهم كلمات جميلة تشعرهم بأهميتهم وتميزهم؟ أم أننا سوف نكيل لهم المدح عندما يموتون فقط! ما فائدة كل المديح بعد رحيل المبدع؟ لماذا لا يستمع إليه وهو حي يرزق؟ لماذا لا نشعر ونشعره بأهمية ما قدمه لنا وهو على قيد الحياة، لماذا لا تكون البرامج والأقلام بيئة محفزة ومنصفة للذين أخفوا كل معاناتهم وأظهروا جمالهم الذي تتوارى خلفه الهموم والتعب، اقتنع زميلي لكنه قال إذا كنت تريد أن تسلك هذا الطريق في البرنامج فلن تكون هناك إثارة، ولن تكتب عن برنامج وسائل التواصل الاجتماعي والصحف.. قلت له لا تهمني الإثارة، يهمني حديث المبدع عن تجربته الإنسانية والإبداعية، فهي التي سوف تبقى كحديث وحوار ذي قيمة، ومرجع لمن يريد أن يعرف عن تجربته، بعد عدة أشهر تأكدت من صحة توقع زميلي، لم يكتب عن البرنامج إلا نادراً، لأن البرنامج لم تكن به إثارة ومشاكل وخلافات مع الضيوف، لكن البرنامج كان به عشرات الساعات من تجارب مبدعينا، وكان ذا قيمة حقيقية تحمل مواقف إنسانية وفنية صالحة للاستماع حتى بعد سنوات طويلة.
من أقسى ما يعانيه المبدع هو الشعور بعدم الإنصاف وإيصاله لدرجة الشك بأن ما يقدمه ليس له قيمة تستحق الإشادة، مبدعونا من جمال وطننا وقوة مجتمعنا وعمقنا في الأرض، الإنصاف أن نقول للمبدع الآن ما سنقوله عنه بعد أن يموت.