المعرفة
لتكريم الجهل على الأقل!
الناس أذواق. من قال هذا ذوقي ما ظَلَم!. يبدأ الظّلم مع أوّل محاولة لفرض هذا "الذّوق"، وتزيد فداحته حين يبدأ الإقصاء لتنصيب هذا الذّوق ملكًا على أذواقنا!.
ـ والعدل سابق على الظُّلْم، ولاحقٌ به!. وفي كل مسألة يكفيها الذّوق، مثل مسائل الفن والأدب، يبدأ العدل حرث أرضه وزراعتها بالتّأمّل، وبحسن عَرْض الأفكار التي أنتجت هذا الذّوق أو ذاك!.
ـ وأول الحُسْن التهذيب، وأوسطه مهارة الإقناع، وأعلاه رحابة القبول بحقّ الآخرين في أن يكون لكل منهم ذوقه الحرّ الجاذب للأعمال التي يريد ويحب!.
ـ القبول بمثل هذا الحق، يجب أن يعني فيما يعني أنّ ذوْقي قابل للتغيّر والتّطوّر. وأنه كذلك لأنه قاصر!. وأن يكون هذا المعنى مثقلًا بحقيقة أنني عاجز عن مشاهدة الأمر من كل زاوية واتّجاه، وبالتالي فإنه لا بدّ من وجود آخَر لأتمكّن من رؤية المشهد من زاويتين مختلفتين أو أكثر في نفس اللحظة!.
ـ قلتُ وأقول دائمًا أنّ أعلى النقد قيمةً هو ذلك الذي يمكنه أن يكشف لي الجميل في الجميل، وليس العكس!.
ـ ما الذي يمكنه أن يكون مفيدًا حقًّا بالنسبة إليك فيما لو تحدثتُ لك عمّا أراه قبيحًا ورحت أثرثر حول رداءته؟! لا شيء!. أضعتُ وقتك!.
ـ ثم أنه كيف يمكن لي كشف قبح القبيح ورداءة الرديء ما لم أُقدّم دليلًا، مُقنعًا ومحبّبًا إلى قلبك ومحرّضًا مشاعرك على التجاوب، على وجود الآخر الجميل؟!. في غياب مثل هذه القدرة لا يكون لكلامي معنى ولا قيمة!.
ـ وعليه، فإن القيمة والمعنى في الجمال وفي قدرة الكشف عنه. فإذا ما نجحتَ في إيصالي إلى مثل هذه الأسرار، فقد أضأتَ لي الدرب، ولم أعد بحاجة لكثير من المساعدة والتوجيه في معرفة القبيح، ويصير بإمكاني معرفة لماذا هو قبيح، معرفة يكفي أن تكون داخليّة، فليس كل الناس على قدرة بإيجاد صِيَغ وتعابير لتبرير نفورهم من عمل ما أو انجذابهم إليه!.
ـ ثمّ أننا بتجريب محاولة كشف الجمال فيما نراه جميلًا، إنما نقوم بخدمة جليلة لأنفسنا قبل الآخرين، فبمثل هذه المحاولات فقط يمكننا أن نتقدّم وأن نرتفع بذائقتنا وأن يكون ذلك بإرادةٍ منّا وبميعاد لا بمجرّد صُدَف قد تأتي وقد لا تأتي!.
ـ حكاية أنْ أُحب هذا الإنسان أو هذا العمل دون أن أدري لماذا، حاصلة حاصلة، نعم!. لكن إنْ هي لم تأخذ شكل الاستثناء والنُّدرة، فهذا عبط!، واستهبال ليس فيه من تكريم هذا الإنسان وذلك العمل شيء!.
ـ على الأقل، يجب أن نعرف لنُكرم عدم معرفتنا حين يأتي وقتها!. فمن إكرامنا لجهلنا أن لا تكون كل الأوقات له!.