هنري ميللر ونصيحته التي
لا تعنيني!
القراءة وسيلة أم غاية؟!، بالنسبة لي هي غاية!.
ـ أقرأ للمتعة وليسمح لي هنري ميللر، نعم، أقرأ للمتعة كما يفعل الأطفال!.
ـ لا أريد فائدة أخرى، المتعة فائدتي!. كل المنافع التي أتلقّاها من القراءة تأتي بعد ذلك، بعدها وبكثير، بعدها وليست درجةً منها حتّى!.
ـ المشهد مازال ماثلًا أمامي: كنت في السنة الثانية ابتدائي، يوم طلب منّا الأستاذ الوقوف والاصطفاف في طابورين، حسِبنا أنها حصّة ألعاب أو رسم أو موسيقى أو ربّما للذهاب إلى المطعم لتناول الفطور المدرسي، اصطففنا، وتحرّكنا، وفجأة توقّفنا عند باب، ما إنْ فُتِح حتى فُتِح له قلبي، وكانت المكتبة!.
ـ يومها عرفت معنى حصّة “المُطالعة” في الجَدْوَل. ما إنْ فُتِح الباب ودخلنا حتى رفرفرت روحي دهشةً ونشوة استمتاع: قاعة كبيرة جدرانها كُتُب، وعرفتُ بأسرع من البرق أنّ هذا ما أريده، هذا مكاني، وإلى هذا اليوم وأنا أحاول استعادة لحظة السعادة الغامرة تلك دون جدوى: ثمّة لحظات لا تعود ولا تتكرّر!.
ـ أمّي لم تكن تحكي حكايات كثيرة، كانت مشغولة دائمًا، تنظّف الغرفة والحوش، تخيط ملابس، تخبز، وتغنّي!. جدّتي كانت تحكي قصصًا أكثر، وفي الغالب كانت تفعل ذلك حين لا يكون لدينا طعام كافٍ، وكنّا نشبع!.
ـ قيل لي إنّ البنات أمّهات القصص، لكن الله لم يرزقني أُختًا، فكانت المكتبة أمًّا وجَدّة وكانت الكُتب أخوات!.
ـ هنري ميللر لا ينصح بأن نقرأ للمتعة مثل الأطفال!. نصيحته لا تعنيني!. في كل قراءة ومع كل كتاب أستعيد طفولتي!. تجاوزت الخمسين، لكن الذين يحكمون عليّ من الشكل ومن تاريخ شهادة الميلاد، لا يعرفونني حين أتوحّد مع كتاب!.
ـ أثناء القراءة أنت لا يمكن أن تضيع وقتك بأن تنشغل بغيرك، لا يمكنك إلا أن تبني ذاتك وتعيد تشكيل نفسك، ولا أظن أن هناك عملاً أفضل للانشغال بنفسك من القراءة، وهذا يكفي!.