2019-08-05 | 21:47 مقالات

وطنيّة إعلاميّة!

مشاركة الخبر      

ليس من الوطنيّة أن تتنازل عن أجرك في عملك، أو عن أي حق من حقوقك!. إنّما الوطنيّة أنْ تُقيم عملك على أحسن وجه، وأنْ تُنجز مهامّك على أكمل صورةٍ ممكنة!.
ـ قبل فترة، وفي فرحة الشارع المصري بافتتاح بطولة الأمم الإفريقيّة المقامة في مصر، وأثناء نقل قناة مصريّة لمظاهر البهجة، التقى المذيع بسائق عَرَبَة خيل، كان قد زَيّن عَرَبَته بما يقدر عليه من فرش وأضواء تحفّ خَشَب العَرَبَة، وخرج يطلب الرزق.
ـ حين التقاه المذيع كانت العَرَبَة ممتلئة بالرّكّاب. سُئل سائق العربة عن أمر البطولة فعبّر عن مشاعر البهجة والفرح، وفجأة طلب منه المذيع أن يأخذ بالرّكّاب "لَفَّةً" بالمجان!. قَبِل الرجل بابتسامة حياء مُرتبكة!.
ـ عَلَّمَتنا الفيزياء أن تكبير الصورة يكشف عجائب!. ماذا لو كبّرنا الصورة: المذيع يُمثّل الإعلام، العامِل يُمثِّل كل موظّف أو عامل يطلب الرزق الحلال، وعَرَبَة الخيل تمثّل كل مهنة وأي وظيفة!.
ـ فيما لو كانت الرؤية الإعلاميّة للوطنيّة تطلب من الناس التنازل عن حقوقهم، عن أجرتهم ورواتبهم، وفيما لو صدّق الناس مثل هذا الكلام المجّانيّ، فما الذي يمكن حدوثه؟!.
ـ ببساطة سيتضرر المواطن، وقد يعود إلى البيت دون عشاء لأطفاله!. وحتّى يُعوّض مثل هذا الأمر، فإنه قد يلجأ إلى "فهلوة" النصب وربّما التسوّل!.
ـ فإن حقّقتِ "الفهلوة" مقاصدها، تأكّد له أنّ لقمة العيش لا تُكسب بالعرق والجهد وإنما بالحِيلة!. أمّا حين لا يتحقق له من الفهلوة ما يريد، فإنه وفي أفضل الأحوال لن يجتهد في عمله كما يجب، وقد يتجهّم في وجوه الزّبائن أو "المُراجعين" بؤسًا أو استهتارًا!. النهايات تحتمل ما هو أكثر ضررًا!.
ـ كان يُمكن للمذيع حثّ الرجل على العمل بنشاط أكبر، وامتداحه على كسب زبائن بما قام به من زينة، وبسماحة الأخذ والعطاء، وبالفطنة في العمل. كان يمكن له سؤال الرّكّاب عن جمال الرّحلة القصيرة وفيما لو كانوا يريدون "لفّةً" أخرى!. أو كان بإمكانه السكوت وعدم التدخل في أُجرة الرجل والتلميح بورقتها كفعل وطني!.
ـ مثل هذا المذيع ليس استثناءً، في مصر وعندنا، وفي كل الوطن العربي تقريبًا، يوجد من نوعيّته الكثير. لدى كل منهم مثل هذا الفهم، ومنهم من يقوم بذلك مزايدةً، يحسب أنها تَرُوق للناس، وتُسهم في تثبيته في مكانه، أو التّقدّم به درجةً أعلى، في عملٍ لا يريد ولا هو مستعدّ للتنازل عن جزء من مكافأته أو أُجرته فيه، اللهم إلا أمام الشاشة في مزايدة أعلى، أو حين يُحرجه مذيع آخر بطلب مماثِل!.
ـ أعملُ. وأقوم بعملي على أكمل وجه ممكن وعلى أحسن صورة مقدور عليها. أجتهد أكثر. أنجح. أُحقّق ربحًا. أطوّر عملي وأُنمّيه، أُجدّد مهاراتي ونشاطي. أربح أكثر. أضمن لعائلتي عيشًا هنيئًا. أتمكّن من دفع مستلزمات أولادي الدّراسيّة. من تربيتهم دون حاجةٍ لانحناء!.
ـ أُقدّم لهم نفسي نموذجًا حَسَنًا. وأُقدّمهم نموذجًا حسنًا للمجتمع. هذا أحد أهم وأنبل وأكرم الأعمال الوطنيّة التي يُمكن القيام بها. لا يتخطّاه مجدًا وعزّة غير الاستشهاد دفاعًا عن الوطن. سلام!.