السعادة وجليس الهناء!
الجليس الطّيب، الكريم حقيقةً وبالمعنى الذي لا يُنقص للعطاء معنى، هو ذلك الذي يمنحك صفتين متلاحقتين ومترابطتين بحب، الأولى: الشعور بأنك غير مُجبر ولا مضطّر أبدًا، وبأي شكل من الأشكال، إلى تغيير ذوقك وقناعاتك ومُثُلك وطبيعتك عمومًا، والثانية: هي أنك تغيّر ذوقك وقناعاتك ومُثُلك وطبيعتك!.
ـ تفعل ذلك باختيار نقيّ، وبوعي صافٍ، وبقناعة أكثر رسوخًا من أي وقت مضى. تفعله بمحبة ورغبة وفرح آمِن، دون ضغط ودون محاولة لإرضائه، بل وربما دون محاولة حتى لفعله!. دون أن تدري، أو تدري قليلًا، قليلًا بما لا يمكنه تشكيل أي ثقل، بأنك إنما تقوم بواحدة من أهم الأفعال في حياتك: التجدّد!.
ـ مثل هذا الجليس نِعْمَة من الله، تستوجب الشكر والحمد، وهي نادرة لأنّ الثمين نادر، لكنها موجودة ويمكن الوصول إليها لأنّ النادر موجود في نهاية المطاف!.
ـ معرفة الناس، كل الناس، ليست كنوزًا، غير أن معرفة هذا الصنف الذي نتحدث عنه منهم، هي كنوز حقيقية نعم، وأكثر!.
ـ لا يتعلّق الأمر بالناس فقط، رغم أنهم أهم ما في الأمر، وأكثر أشكال الأُنس وطاقات التجدّد حضورًا. يُمكن للمكتبة تأديّة مثل هذه المهمّة العظيمة، مثلما يُمكن للأعمال الفنيّة والأدبيّة من رسم وموسيقى القيام بأدوار متقدّمة جدًّا في هذا الشأن!.
ـ يُمكن لأماكن جديدة تزورها، لساعة مشي خفيف منفرد تُنشّط بها جسدك، لمنظر طبيعي خلّاب يبهجك ويستدعي أفكارًا وتأمّلات فيه وحوله، للحظة سجود في صلاة، ولنمنمات صغيرة أخرى، النقر على أبواب في روحك، لم تكن تدري بوجودها، ولم تكن لتصدّق أنها يمكن أن تُفتَح لك بمجرد نقْر خفيف على خشبها!.
ـ التوكّل حقيقيّ الحُسن على الله والوثوق به سبحانه وتعالى، ثمّ الصحّة الجيّدة، والعمل المُحبّب مهما كان شاقًّا، والبيت المُستقر الآمن المُكرم بدعاء أبوين وبضحكة طفل، والصحبة الطّيّبة المنتقاة بعناية أو المُمْسَك بتلابيبها بعد لُقْياها صُدفة "بتلابيبها لا بتلابيب صاحبها!"، والقُدرة على السفر مرّة أو مرّتين في السنة على الأقل، وقراءة كتاب ممتع مرّة كل شهر على الأقل، أمور يمكنها فعلًا الذهاب بك بعيدًا في دروب السعادة!.
ـ مع وجود شرط أساسي وعظيم الأهميّة: أن لا تكون قد ظلمت أحدًا أو آذيته عن قصد فلم تَرُدّ إليه مظلمته وتزيل عنه ما لحق به من أذى، أو أخطأت في حقّه عن عمد ولم تعتذر اعتذارًا لائقًا مقبولًا مُرْضيًا!.
ـ أدري أنّ هذه الفقرة الأخيرة مُستهلكة، قيلتْ وسُمِعَتْ كثيرًا، لكن هذا لا يعني أنها خاطئة أو غير واجبة الحضور حين يتعلّق الأمر بالسعادة!.