دراسات ومقالات تمد الصحف بأسلحة البقاء في عصر التكنولوجيا الرقمية المجانية
تتوقف عن السباق
طبعت صحيفة “إكسبرس” المجانية، والمنتمية إلى عائلة مطبوعات صحيفة “ذا واشنطن بوست” الأمريكية العريقة، طبعتها الأخيرة في 12 سبتمبر، حيث ودعت قراءها بغلاف أخير كتبت فيه عنواناً رئيسياً ملفتاً، وتوجهت فيه إلى القراء لتقول: “نتمنى أن تستمتعوا بجوالاتكم الكريهة”. وانضمت “إكسبرس” إلى قائمة الصحف الورقية التي اعتكفت عن الطباعة بعد خسارتها في معركة البقاء بمواجهة التطور، في عصر ارتفعت فيه أسهم الهواتف الذكية والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن هذه المعركة بإطارها الواسع لن تكتب للصحف نهاية حزينة، خاصة في ظل دراسات تؤكد أن المطبوعات الورقية تبقى المصدر الأكثر دقة لايصال المعلومة، والجهة التي تحظى بالدرجة الأعلى من ثقة القراء.
تجربة إكسبرس
دخلت “إكسبرس” عالم الصحافة المطبوعة في واشنطن العاصمة الأمريكية عام 2003، وتم توزيعها بشكل مجاني في محطات الميترو وأكشاك الصحف، فاكتسبت شعبية كبيرة مع وصول مطبوعاتها إلى 180 ألف نسخة في اليوم الواحد بحلول العام 2012، وهو العام الذي شهد ارتفاع عدد صفحاتها من 28 إلى 60 صفحة. وعلى الرغم من إطلاقها موقعاً إلكترونياً وتطبيقاً للهواتف الذكية، ذهبت “إكسبرس” ضحية للتطور التكنولوجي في المجال الصحفي، فأوصدت أبوابها قبل أيام قليلة مع استمرار التراجع الحاد في إيراداتها وعدد قرائها، حيث وجهت رسالة في العنوان الجانبي لغلافها الأخير مفادها أن طباعة الصحيفة ستتوقف بسبب أولئك المهووسين بالهواتف الذكية. وأكدت “واشنطن بوست” أن السبب الرئيسي لإيقاف “إكسبرس” يعود إلى توسعة خدمة الـ “واي فاي” في محطات الميترو، وأن الصحيفة لم تعد قادرة على خدمة القراء كما كان في تصورها عندما أطلقت قبل 16 عاماً.
مرآة الناس
وجاء في مقال ماكلينان ومايلز تذكير أن عدة صحف حول العالم تحمل في اسمها كلمة “ميرور”، والتي تعني “المرآة”، فتساءل الكاتبان كيف سننظر إلى أنفسنا إن لم يعد هناك مرآة في منازلنا، أو كاميرا أمامية تلعب دور المرآة في هواتفنا الذكية، وماذا سيحدث إن استبدلنا المرآة بأخرى تنشر ما هب ودب من المعلومات الخاطئة وغير الدقيقة. وكان ستوارت هاوي، الصحفي والكاتب الأسترالي، قد سلّط الضوء على هذه القضية من جانب آخر في كتابه The DIY Newsroom، حيث ذكر أن الجميع يستطيع التحوّل إلى صحفي أو ناشر في عالم الديجيتال، لكن المطبوعات الورقية هي من تمنح النوعية التي تبقيها فوق ضجيج الإعلام الجديد.
المصداقية الورقية
تناولت صحيفة “واشنطن بوست” تأثير التكنولوجيا الرقمية على الصحف الورقية في مقال نشرته قبل عام لدوجلاس ماكلينان وجاك مايلز الكاتبيْن، وأكدت أن المهتمين باتوا يفضلون زيارة موقع مختص بالسيارات عوضاً عن مطالعة الصفحة الخاصة بالسيارات في الصحف، كما طرحت مثالاً آخر بمشاهدة برامج الطهي عبر التلفزيون وعلى الإنترنت عوضاً عن قراءة صفحة مختصة في صحيفة ما، فاستنتجت أن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي جعلت من المعلومة واسعة الانتشار ودون توقف، لكنها طرحت سؤالاً مهماً: من أين ستأتي المعلومات إن توقفت الصحف وعاد المراسلون إلى منازلهم؟. وتطرق المقال إلى سيطرة “جوجل” و”فيسبوك” على نشر المعلومات، لكن جاء فيه أن هذه المنصات وغيرها تفتقد للموضوعية والمسؤولية، على عكس الصحفيين والناشرين.
الثقة حليفة الصحف
وتحدث ستوارت هاوي في كتابه كذلك عن حفاظ المطبوعات الورقية على ثقة الناس، حيث نقل نتائج دراسة أجريت في أستراليا عام 2008، والتي أظهرت أن 73 في المئة من المشاركين في الدراسة يثقون بالصحف الورقية كمصدر أساسي للحصول على المعلومات، ليقول في أحد سطور كتابه: “الديجيتال يحصل على انتباهنا، لكن الصحيفة تحصل على احترامنا”. وكان موقع “ميشن” قد نشر نتائج دراسة أخرى أعدها مركز “بيو” للأبحاث، والذي أكّد أن هبوط مردود الصحف يقترن بانخفاض الإعلانات، لكن نتائج الدراسة أثببت في الوقت نفسه أن الصحيفة الورقية ما تزال الأقوى في نشر الأخبار، وأن الناس يمضون وقتاً طويلاً في تصفحها، لكنهم يمضون أقل من 5 دقائق على مواقعها الإلكترونية، وأقل من دقيقتين على خبر في “فيسبوك”.