«منفّس»
لا تكلمني
“منفّس”.. “طفشان”.. “مطنّقر”.. كلمات لا تحتاج إلى تعريف بل إلى ترفيه..
تختلف المعاني لكن الصفة ثابتة..
عندما تقابل شخصاً يحمل هذه الصفة فعليك أن تعامله معاملة خاصة.. هو ليس أميراً أو وزيراً أو صاحب منصب عالٍ أو منخفض أو من عليّة القوم ولكن فقط لأنه “منفّس”.. فله حق الامتياز في المعاملة صنعها له المجتمع.. وهو “يعيش الدور” بأنه شخص مهم فقط لأنه “منفّس”..
في جيلنا الذي ينتمي إلى الثمانينيات الميلادية.. حكاية قصيرة سأسردها لكم..
تقف عند إشارة مرور تتلفت يمنة ويسرة لا يوجد وقتها جوال يلهيك.. تضطر إلى أن تنتحل شخصية “الملقوف”.. سيارة زرقاء تقف بجانبك.. صاحبها عاقد الحاجبين.. الشرار يكاد ينطلق من عينيه.. الوصول إلى قمة إيفرست أسهل من مشاهدة أسنانه.. باختصار “منفّس”..
تنظر إليه مبتسماً.. يلمحك وعلى الفور ينزل النافذة “يدوي” بسرعة.. ويقول بصوت عالٍ..”خير وش تناظر؟”.. تجيبه بلطف بعد أن خبأت ابتسامتك.. “أبد سلامتك بس ابتسمت في وجهك والابتسامة صدقة”.. ينهار عليك ويتلون وجهه ويقول: “وشفيك مجنون أنت؟”.. ترد عليه بغية أن تتقي شرّه: “أنا ابتسمت ولم أسبك أو أقذف سيارتك بالحجارة”.. الإشارة تتدخل وتنير اللون الأخضر وتنهي الجدل..
هذا الموقف كنا نواجهه في مواقع عدة حتى في صالات الأفراح لحين اختفت الابتسامة وذابت وسط سلطة “المنفّس” فكان المسيطر يومها..
في الجيل الحالي يتكرر الموقف فبعد مرور 20 عاماً، في مهرجان التذوق العالمي ضمن فعاليات موسم الرياض، كنت مع شخص يصغرني عمراً، أكن له كل الحب والتقدير، نمشي سوياً فجأة رأيته يبتسم في وجه أحد الشباب المنظمين وهو يبادله الابتسامة ذاتها.. سألته: “هل تعرفه؟”.. أجاب: “لا”، قلت له: “كيف تبتسم في وجهه وأنت ما تعرفه؟”.. رد عليّ: “الأصل أني أبتسم في وجهه، ديننا يحثنا على ذلك، وبعدين هو يتعب ويحتاج من يدعمه ولو بابتسامة”..
تمنيت أن هذا الشخص معي ليرد على صاحب السيارة الزرقاء.. وأدركت يومها بأني ضحية جيل عاش وسط ضغوطات وتقاليد وعقد شكّلها المجتمع في ذلك الزمن، خيارات الترفيه كانت محدودة..
اليوم تبدل الحال وأصبحت وعادت الابتسامة إلى الوجوه.. كما قال أبو نورة: “كل ابتسامة مهاجرة جات رجعت لشفتي”.. الرياض تحتضن ضاحكة أول مواسمها.. الجميع يضحك ويبتسم..
رحم الله العملاق أحمد زكي عندما قال: “اضحك الصورة تطلع حلوة”..
ابتسم فأنت في موسم الرياض.