2020-03-24 | 02:06 مقالات

هاتوا الدفاتر تنقرا

مشاركة الخبر      

قبل قليل تحدثت مع أحد الأصدقاء عبر الهاتف، كانت محادثة يملؤها الشجن خصوصاً أننا قبل عدة أسابيع كنا نجلس طويلاً، نعمل ونتحدث سويًّا بينما نشرب عدة أكواب معدة من أفضل أنواع القهوة، أول ما بدأت به المكالمة: أتارينا كنا بطرانين؟! ما إن سمع هذه الجملة حتى راح يعدد النعم والمميزات التي كان يتمتع بها قبل كورونا، وكيف أنه كان جاهلاً بتقييم مستوى حياته عندما كان يتذمر من الظروف وترديده لفكرة أنه إنسان ولد من دون حظ جيد..
وأنه اليوم وبعد جلوسه في البيت عدة أسابيع شاهد ما لم يكن يراه بالأمس، شاهد جمال حياته الماضية وكيف أنه كان ينعم بكل ما وهبه الله من وسائل سعادة، بل قال إنه كان غارقاً في الحظ الجيد لكنه كان شبه أعمى.. لم أترك صديقي يقر بكل هذه الاعترافات دون أن أعطيه نصيحة ذهبية تفيده أثناء بقائه في منزله وتحافظ على وجوده بأفضل صورة ممكنة، فنحن لا نعلم المدة التي سنعزل بها أنفسنا، نصحته أن يقبل أي انتقاد توجهه له زوجته حتى لو كانت مخطئة، أنا شخصياً أفعل ذلك، لم أرد على أي انتقاد وجهته نحوي، كل ما كنت أفعله هو الابتسام بوداعة مع هز رأسي قليلاً كدليل موافقة على ما تقول، وافقت على كل ما وجهته نحوي من ملاحظات قاسية إلى الدرجة التي جعلتها تتساءل عن صمتي وعدم ردي على أي ملاحظة وانتقاد على غير عادتي، لم أحاول أن أصعّب الإجابة وقلت لها بكل صراحة: أنا مجبور على قبول أي شيء.. ليس لدي مكان آخر أذهب إليه.. كل المقاهي مغلقة وأصدقائي في عزلتهم، كما أن افتعال المشاكل في هذا الوقت لن يكون تصرفاً حكيماً، هذا ما قلته لها وأنا مقتنع أن التنازل الآن ليس ضعفاً بل سياسة حكيمة للحصول على مقر آمن وهادئ.
أنتم أعزائي القراء المتزوجين حاولوا أن تستفيدوا من نصيحتي هذه، لن يعتبر تنازلكم عن قناعاتكم وقبولكم بالواقع الجديد أمراً ينتقص منكم، لا أبداً.. بل اعتبروه تطبيقاً للمثل الشعبي الحكيم “إن طاعك الزمان وإلا طيعه”.. كورونا لن يستمر للأبد وسيأتي اليوم الذي يزول عنا وستعود الحياة إلى طبيعتها بإذن الله، والثأر قادم.. وإن وجهت لك زوجتك اللوم بعد زوال كورونا بسبب تغير أطباعك عن ما كانت عليه في الحجر المنزلي، فاستخدم المثل الشعبي المصري “لو نسيتوا اللي جرى.. هاتوا الدفاتر تنقرا”.