تمترس
يا بطل!
ـ لمّا هرب الناس من أمام الثور مستنجدين بعنتر، وقف هذا الأخير عند باب خيمته، أمسك بعمود الخيمة ونظر إلى الثور الهائج ثم عاد مكانه وجلس!. قالوا له: هذا وأنت عنتر؟!. قال: “إيش يفَهِّم الثّور إني عنتر”!.
ياما تداولنا هذه الحكاية. اليوم يُمكن تحويرها وتدويرها وتطويرها قليلًا!.
ـ هؤلاء الذين يتبجحون بالخروج إلى الشارع في زمن الوباء، دون رخصة أو عذر، مخالفين أوامر الدولة، بحجج واهية، وعقول فارغة، بينما الدولة تُضحّي بمصالح عظيمة من أجل سلامتهم، نقول لكل واحد منهم: سلامتك تهمّنا، تخيّل؟! ومن أجل ذلك نتوسّل إليك البقاء في بيتك، كورونا لن تتركك في حالك بحجّة أنك سفيه: إيش يفهِّم كورونا إنك ثور؟!.
ـ كل شريف نظيف نزيه مجتهد مخلص، هو بطل ورمز وطني، أيًّا كانت مهنته.
كان هناك من يقول ذلك، وإلى فترة قريبة جدًّا، وكان يجد من المتطفّلين المتنطّعين من يظهر له مصحّحًا بتجريح، أو مجرّحًا بتلميح: “الأبطال هناك على حدود الوطن.. هناك فقط”!.
ـ ليس أفحش من كلمةٍ هي حقّ ويُراد بها باطل!. نعم، جنودنا فوق رؤوسنا، ولولا الله ثم هُم لما نعمنا بحياة آمنة هانئة. لكن لكل دوره، وكل إنسان بطل متى ما قام بدوره على أتمّ وجه، لا يُنقِص ذلك من قدْر جنودنا البواسل شيئًا، ولا يُقلّل من عظيم بذلهم وتضحياتهم وفخرنا واعتزازنا بهم. وهُم أصلًا عظماء لأنهم نجحوا في جعلنا نعيش بأمان ونحيا حياة طبيعيّة، يمارس فيها كل واحد منّا دوره مجتهدًا في عمله.
ـ وها قد أتى الدور، اليوم، على أبطالنا من منسوبي وزارة الصِّحَّة. كنّا إذا امتدحنا أحدهم من قبل، يتطاير الشرر من عيون بعضهم!. اليوم جميعهم أبطال، يجابهون الوباء وجهًا لوجه. هذا لا يقلل من بطولات الآخرين ولا يُنقص من قدرهم. لكلّ إنسان دوره وأهميّته.
ـ حكاية أنْ تُنسب البطولة لنوع محدد من أنواع العمل، يُخصّ بها أصحابه فقط، بحيث تُحرّم، أو تقترب من التحريم، على غيرهم، إنما تحمل في طيّاتها هروبًا وضعفًا وسوء فهم!.
ـ والأهم هنا الهروب!. لأنه هروب، فكري على الأقل، من قيام أصحاب هذه المقولات بأدوارهم!.
ـ أنا حين أقول إنه لا بطل غير هؤلاء، وأشير إلى جهة محددة، أكون من الداخل قد تخفّفت من ثقل واجبي في عملي البسيط، فما دمتُ لستُ من ضمن هؤلاء، فإن فكري هذا يقودني، ربما، إلى التساهل في مهنتي، وسوء الكيلة يقود إلى الحشف مثلما يقود الحشف إلى سوء الكيلة!.
ـ من دخل داره فهو آمن وبطل!. من التزم بالقوانين بطل!.
كلّنا جنود، ولكلٍّ دوره ومهمته ووقته، وهذا وقت الجميع!.
ـ فكّر بالأمر على هذا النحو: أنت جنديّ، والوباء عدوّ، والمطلوب منك بأمر قيادتك أن تتمترس في خندقك، وخندقك بيتك، فإن أنت فعلت فإنك بطل، حَمَيتَ بذلك أهلك وناسك وشعبك، ودافعت بضراوةٍ مبجّلةٍ عن وطنك. فإنْ لم تفعل فأنت بين جاهل أو جبان أو خائن، أو صفة قريبة من هذه الصفات!.