كنّا نحسبها
رياضة للسلام!
سنواتٌ عدة، عملت خلالها في المؤسسة الرياضية، وكنت وزملائي دائمًا ما نتفادى إدخال الشعارات، أو الأجندات السياسية في الرياضة، أو حتى الخلط بين الملفات السياسية وحملات التعاطف مع شخص، أو شعب، أو بلد لأسباب إنسانية، أو إغاثية، وما شابه ذلك.
وعلى الرغم من وجود عديد من القضايا العادلة التي تؤرِّقنا، ونرى أنها تستحقُّ الدعم من خلال الرياضة، إلا أننا استمررنا في انزوائنا دفاعًا عن هذا النهج، معتبرين أنه ميثاقٌ رياضي عالمي، يجب علينا الحفاظ عليه بكل ما استطعنا، بعيدًا عن السياسة، والتزمنا بدعمه المطلق.
وكانت المؤسسات الرياضية الدولية دائمًا ما تتخذ إجراءات ومواقف صارمة تجاه عديد من الأندية والاتحادات الوطنية، خاصةً في دول وقارات معينة، سواءً حول إقحام الأجندات السياسية في الرياضة عبر عبارات، أو رايات التعاطف المختلفة، أو عندما يكون هناك تدخلٌ حكومي مباشرٌ في العمل الرياضي، لكن لم نلبث حتى رأينا تلك المؤسسات الدولية نفسها تتبنَّى مشروعات سياسية كاملة، نراها في مواقفها، وإعلاناتها، وشعاراتها، ومضامين مؤتمراتها وأجنداتها، حتى أصبحت تلك المؤسسات وكأنها مجنَّدةٌ بالكامل لتلك المواقف السياسية البحتة!
التضامن الذي رأيناه من هذه المؤسسات الرياضية الدولية، ونشأت عن شؤون، تختصُّ بنزاعات سياسية، لم يكن فقط مجرد تضامن مع الشعوب والضحايا، بل ووصل أيضًا إلى مستوى اتخاذ قرارات شمولية بنزع ملكيات أندية، يملكها رجال أعمال بسبب جنسياتهم على سبيل المثال، بلا أي تمهيد قانوني، أو حتى أخلاقي! مجرد قرار سياسي بحت، تمَّ تطبيقه من خلال مؤسسة رياضية!
والآن، عندما يتضامن أي رياضي في العالم مع ضحايا نزاع سياسي وعسكري، من أطفال ونساء ومدنيين أبرياء،
تخرج تحذيرات من تلك المؤسسات الرياضية الدولية فجأةً، لتُعرب عن نهجها “الاختياري” بمنع إدخال الأجندات السياسية في الرياضة، وفرض حملات الإلزام بالاعتذار، مع الإيقاف والتلميح بفسخ عقود هؤلاء المتعاطفين ومقاضاتهم، في معايير غاية بالازدواجية والتمييز المرفوض أخلاقيًّا ومهنيًّا.
كنَّا وما زلنا نأمل أن تعود الرياضة وسطًا لتوثيق عُرى السلام والمحبة بين الشعوب، وليس وسطًا يُستغلُّ للميل مع أطراف سياسية ضد أخرى متى ما ارتأى مسؤولو المؤسسات الرياضية الدولية ذلك، فهذا الأمر سينسف الهدف الأسمى الذي وُجدت من أجله الرياضة.