الساعة
التي لا تتعطل
نستقبل 2024، ونودع 2023 الذي استقبلناه قبل عام، رقم جديد في روزنامة التاريخ، أحدثته ساعة الزمن الذي لا تتوقف. عندما كنت وبعض الصحبة نحتفل مع المارة برأس السنة في شارع لندني، قالت لنا عجوز: يا مجانين.. لقد مضت سنة أخرى من أعماركم! كانت تقول الحقيقة ولكن ما الذي تريدنا أن نفعله؟ أن نوقف الزمن؟ أم نبكي على مضي عام؟.
منذ حكاية العجوز قبل 30 عامًا إلى اليوم لم يتغير العالم إلى الأفضل، المؤكد أنه تطور تقنيًا، بداية من الإنترنت وصولًا للذكاء الاصطناعي، لكنها مكاسب غير صافية، فقد جاءت مع مشاكلها المؤرقة. منذ الاحتفال في الشارع اللندني قبل 30 عامًا لم تتغير ظروف العالم إلى الأفضل، لم تتوقف الحروب ولم تختفِ العنصرية ولم يُقضَ على الفقر، كانت سنوات كافية جدًا لعالم لا يجوع فيه طفل، وألا تبقى مواليد تعليم. ما زالت دول تحتل أخرى، ودول رغم ثرواتها يخاطر شبابها بمراكب صيد عبر المحيطات، ليصلوا إلى بلدان تقبل أن تمنحهم صفة لاجئ! شعوب قدرها أنها ولدت في زمن بلدانها السيئ، حيث تتحول المدرسة إلى ثكنة، والبحيرة إلى ساتر مائي، وفوارغ الطلقات إلى لعب أطفال. لم تضع اللغات مفردات الجهل والجنون والأنانية في قواميسها عبثًا. قد يكون الذكاء الاصطناعي هو الأكثر حضورًا ونقاشًا في 2023، ولا يدري حتى مطوروه إلى أين سيصل بهم، والمشكلة الأكبر أن الذي أحضر العفريت لا يعرف كيف يصرفه. أرقام الأثرياء في 2023 تضاعفت لمجرد أنهم ممن استثمروا في التكنولوجيا، عندما كان الاستثمار فيها أشبه برمي المال في البحر. إيلون ماسك هو الأكثر ثراءً على وجه الأرض، بثروة فاقت 232 مليارًا، وبمكاسب 95.4 مليار في العام 2023. جيف بيزوس حقق 70 مليارًا كأرباح العام. أما مارك زوكربيرج فحقق 80 مليارًا. ربما الآن نفهم لماذا تمت صناعة فكرة العالم القرية، العالم ليس قرية ولن يكون قرية، إنما استطاعوا بصناعة القرية أن يجعلوا كل سكان العالم زبائن لهم، يبيعون لهم، ولا يشترون منهم. لم يتغير العالم مثلما كنا نريد، عالمًا خاليًا من الصراعات التي تسحق أحلام شعوب وتشتتهم في نواحي العالم.
في كل عام جديد يضع البعض أهدافًا جديدة كخريطة طريق، أو كمحاولة جديدة لأهداف سابقة لم تنفذ. ربما أثمن نصيحة أقدمها للعام 2024 هو أن يكون العام الجديد عام الأسرة. وأعرف أن أسوأ شيء يكتبه الكاتب هو تقديم النصائح للقارئ، لكنها ليست نصيحة، إنما أمانة. المكسب الحقيقي الذي نستطيع تحقيقه هو إسعاد أفراد أسرتنا، قضاء الأوقات معهم والاهتمام بشؤونهم. كل هذا ستكون نتيجته الحب الذي نبحث عنه، الحب الذي اتضح أنك لن تحصل عليه قبل أن تقدمه.