أغلقوا هذا المخزن
واحدة من أهم القضايا التي تثير اهتمامات ومخاوف الجمعيات الإنسانية حول العالم بما فيها تلك التابعة للأمم المتحدة ما تسمى بهدر الطعام، والتي تتزايد كما تقول كافة التقديرات رغم تحذيرات وإرشادات لا تتوقف في محاولات شبه يائسة لمواجهة هذا البطر المنتشر في كل مكان..
وتشير أرقام متداولة إلى أن السعوديين يحتلون الصدارة للأسف بمبلغ يلامس الخمسين مليار ريال، يذهب كل عام إلى حاويات القمامة ـ أعزكم الله.. وبالطبع يحاول المتخصصون والعاملون في المجالين الإنساني والتنموي دراسة وتحليل الظاهرة المزعجة، وتقديم حلول يمكنها معالجة هذا المرض المعدي، كما تظهر بين حين وآخر مبادرات اجتماعية مبهجة ومشجعة ومقدرة تسعى لمجاراة المشكلة بمشاريع حيوية وعملية ذات آثار تبعث داخل الأنفس الاطمئنان، مثل الاستفادة من فائض الأطعمة بتوزيعه على المحتاجين.. وبالطبع وبالتأكيد ليس عندي حل ولا نصيحة وإنما فقط ملاحظة أزعم أنها جزء صغير من الأزمة الكبيرة.. فأغلب السعوديين الساكنين في منازل ممتلكة لديهم غرفة تقل مساحتها أو تتسع وتكون عادة في أطراف البيت أو موصولة ومتداخلة مع المطبخ أو فوق السطح أو حتى تحت الدرج ويطلق عليها مسمى المخزن.. هذا المكان المشؤوم أحد أسباب ومسببات تجعلنا نرمي خمسين مليار ريال سنويًّا في خانة الإسراف والتبذير..
واحدة من العادات الأسرية المضرة بالصحة والمهدرة للمال والمعطلة للحياة السوية، والمصيبة أن ربات المنازل أدام الله عليهن موفور السلامة يشعرن بالنقص والمرارة وضيق في التنفس وحشرجة داخل صدورهن وتعكر المزاج إذا كان هذا المخزن يقترب من النفاد، وكأنهن سيدخلن أجواء حرب استنزاف طويلة.. يصلح موقع كهذا لحفظ الأجهزة الكهربائية وألعاب الأطفال والملفات وقطع الأثاث القديمة، لكنه أبدًا ليس مكانًا مثاليًّا لتكديس أطنان من الأطعمة والمأكولات والمعلبات.. أولاً هذا مكان يفتقد غالبًا درجة التهوية المناسبة؛ الأمر الذي يضاعف من فرص تسمم وتعفن وتلف الأكل..
المصانع المنتجة للأطعمة المغلفة توصي الباعة والموزعين بدرجات حرارة تم قياسها وتحديدها بدقة وعناية ليس لتقلبات الأجواء داخل ذلك المخزن المتكدس علاقة بها.. ثم إن كثيرًا من الأغذية والمشروبات وعلى رأسها وفي مقدمتها المياه المعدنية تتضرر وبشكل مباشر وكبير من طريقة التخزين؛ فهي مصنعة لتكون في مأمن من أي تعرض لأشعة الشمس أو رصها بجانب مواد أخرى.. داخل المخزن يضعون قارورة الماء بجوار مزيل الغسيل وعلبة التونة ومبيد الحشرات ثم يتساءلون بفطنة واستغراب وتعجب: "كأن الماء طعمه تغير"..!!
ليس هناك أي مبررات لازدحام المخازن المنزلية بكل تلك الكميات التي يكفي ربما واحد منها لإطعام وإعاشة قرية كاملة لمدة شهر.. ثم إن أسواق ومحلات التموينات منتشرة ولا يسكن الناس بعيدًا عنها.. كما أن عادة الخروج شبه اليومي للتسوق تسري في عروقنا وأوردتنا مسرى الدم؛ فلماذا نحمل عربات السوبر ماركت بعشرات الكيلوات ونرميها داخل المخزن لتكتظ ويصيبها الجفاف، ثم نطالب الشغالة بتفريغه على عجل استعدادًا للشحنة الجديدة.. لماذا لا نترك كل احتياجاتنا عند أصحابها في أجواء مكيفة وصحية ونشتري حاجاتنا اليومية أو على الأقل الأسبوعية خاصة وطقسنا تغلبه الحرارة والرطوبة أغلب العام.. أغلقوا هذه المخازن التي لا تخزن إلا طريقًا بطيئًا إلى الموت.. والمثل التركي يقول: "إنك تحفر قبرك بأسنانك"؛ في إشارة إلى نوعية الطعام وتأثيره على صحة الإنسان..
أغلقوا هذه المخازن فورًا؛ فإذا لم يكن من أجل الخمسين مليار ريال فمن أجل أعماركم.. والعمر مش بعزأه كما يقول المصريون..!!