فعلا.. العاصوف لا يمثلنا 2_1
يسترق مسلسل العاصوف هذه الأيام أنظار ومسامع واهتمامات السعوديين.. أبرز ما يشاهدونه ويتابعونه على الشاشات في الشهر الفضيل، والأسباب بالطبع كثيرة، يأتي في طليعتها وصدارتها ومقدمتها وجود الاسم الفني الأول والأقوى بين كل نظرائه، العملاق ناصر القصبي، ثم لطبيعة العمل الذي يلامس حقبة تاريخية يتوق الكثيرون لمعرفة شيء منها، إضافة إلى دوافع أخرى عديدة.
هذا ليس أمرًا جدليًّا يمكن التوقف عنده.. لولا أن هناك أصواتًا ووجوهًا غزيرة تتفلت في تويتر وأخواته تهاجم المسلسل، بحجة أنه لا يمثل واقع تلك الأيام التي تسمى مجازًا زمن الطيبين..
أولاً وآخرًا الفن ليس مرآة تعكس حقيقة الأشياء، وإنما هو جزء من إمتاع الدنيا ووجهها الحضاري.. قد يعالج قضية اجتماعية وقد يسلط أضواءه القوية على مشكلة يبحث الناس عن حلولها، وقد يتناول أزمة تحتاج إلى تدخل جراحي سريع، لكنه أبدًا ما كان يومًا وفي كل مكان قاضيًا أو محكمة أو محاميًا عن جيل أو فترة أو دهر.. كل من زار الولايات المتحدة الأمريكية أو عاش فيها سنوات قليلة أو كثيرة، يلمس بوضوح التزام وتقيد السائقين بقواعد المرور بشكل مبالغ فيه، لدرجة أن مشاهدة ارتكاب مخالفة على الطرقات صغرت أو كبرت إنما هو حدث يتناقله الرواة في مجالسهم، ومع ذلك تعج آلاف الأفلام الأمريكية بمشاهد المطاردات المتهورة في شوارع واشنطن ونيويورك ولوس أنجلوس؛ فهل يمكن التعاطي مع قول إن الأفلام الأمريكية لا تعكس واقع الأمريكيين؟ والمسلسلات المصرية قدمت مئات الأعمال والمسلسلات والأفلام، تتناول ظاهرة المخدرات والمدمنين والمتعاطين وتجار تهريب الآفة الممنوعة القاتلة؛ فهل يمكن التوافق مع قول إن الدراما المصرية تلامس أعماق حياة المصريين..؟ بالتأكيد لا الأفلام الأمريكية ولا المسلسلات المصرية يقع على عاتقها مسؤولية إيضاح الواقع وحقائق المجتمع في البلدين؛ والسبب بسيط وسهل ولا يحتاج حتى الذكر والتذكير؛ كون العمل الدرامي أيًّا كان نوعه وحجمه وطريقة عرضه، إنما هو أمر خاص بما يقدمه الكاتب والمؤلف والمخرج والمنتج، ولا علاقة للمجتمع بتفاصيله مهما كانت..
هو مرتبط بفكرة وخيال ورؤية فريق درامي متكامل بعيد كل البعد عن حقيقة وواقع مرحلة بعينها.. وواضح من ردود الفعل الأولية أن هناك من أصيب بالصدمة لأن المسلسل طرح سلوكيات وقضايا اجتماعية لم يعتد الكثيرون على إلقائها بهذه الجرأة، مثل طفل جاء بعلاقة محرمة وترك عند أبواب المسجد.. هذا أول عمل درامي سعودي تراجيدي يصل لدرجة عالية من المهنية الفنية والدراماتيكية والحبكة الحوارية اللافتة والقوية.. كل ما قبله كان محاولات خجولة وبائسة وخائفة من تجاوز الخطوط الحمراء؛ ما جعلها تظهر بلا طعم أو لون أو رائحة..