2010-08-04 | 18:00 مقالات

بيكنباور

مشاركة الخبر      

أختم اليوم مقالاتي عن أساطير الكرة الذين قابلتهم في جنوب أفريقيا أثناء كأس العالم الأخيرة، حيث أحدثكم عن أكثرهم تواضعاً وأدباً، ففي الاجتماع الأول الذي حضرته كعضو في اللجنة المنظمة لكأس العالم فوجئت بأهم نجم في تاريخ ألمانيا يجلس بجواري، فألتفت وصافحته قائلاً: "إنه شرف عظيم أن أجلس بجوار القيصر"، فابتسم بتواضع وقال:"أنا رجل عجوز". كان "بيكنباور" بكامل صحته ولياقته مما يؤكد أنه رجل محافظ يتبع أسلوب حياة الرياضيين بعد تعليق حذاء اللاعب وصافرة المدرب.
كان لطيفاً مع الجميع ولا يبخل بوقته على أحد، يقف طويلاً مع أي شخص يتحدث معه ويبادرهم بالتحية قبل أن يبادروه، فتجول في خاطري صور نجوم صغار - بالمقارنة بالنجم الكبير - يصعب الحديث معهم وقد أصبحت رؤوسهم فوق السحاب بسبب الشهرة والأضواء المؤقتة. بينما "بيكنباور" يأسرك بدماثة أخلاقه وتواضعه، فقد كان يجلس في طرف الطاولة (تخيلوا أن كويتبكم المتواضع يجلس قبل القيصر)، وقلت له بأن مكانه الطبيعي على رأس الطاولة، فقال: ذلك مكان الرئيس ونوابه والأمين العام، فأسرعت مؤكداً بأنه أحق الناس بتلك المناصب، فرد بأدب: "تحتاج تلك المناصب للتحدث بأكثر من لغة"، في إشارة للغته الإنجليزية الضعيفة، فزاد إصراري بتذكيره بأن رئيس اتحاد أمريكا الجنوبية قد جاوز الثمانين وهو لا يتحدث سوى الإسبانية ولا أظن أن لديه ما يقدمه للاتحاد الدولي، فاكتفى القيصر بابتسامة.
ثم التقينا في "جوهانسبرج" فصافحني بحرارة مستغربة على الأوروبيين، وسألني عن الأميرين سلطان ونواف، متذكراً زيارته للسعودية قبيل كأس العالم 2006م، ومسجلاً إعجابه بدقة سمو رئيس الاتحاد في المواعيد التي يحترمها الألمان ويحترمون من يحترمها. فزاد إعجابي بالقيصر وصرت أحدث كل من لقيت عن دماثة أخلاقه فيؤكدون الأمر من تجاربهم الشخصية معه. ولعل من الطريف أنه جاء بنفسه ليسلم علينا، فأردت أن أعرفه بالصديق "النويصر"، فسبقني بالقول إنه "محمد"، وأكمل مازحاً: لست بحاجة إلا لتذكر أسماء من ليس اسمهم "محمد"، وقد كان على الطاولة: محمد بن همام، محمد المحشادي، محمد النويصر، أحمد عيد.
كان "بيكنبارو" نادر التذمر يقبل بالقليل من الامتيازات ويقدم الكثير من العمل ويتعاون مع الجميع، ولذلك لم أستغرب تصريحاته الإيجابية تجاه اللجنة المنظمة للبطولة لأنه كان من النوع الذي ينظر لنصف الكأس المملوء ويتجاوز بأدب عن السلبيات وجوانب القصور. ولذلك أرى فيه قائداً مميزاً يجبر الجميع على احترامه والتفاني في العمل معه، وربما كان ذلك أحد أهم أسباب نجاحات المنتخب الألماني وبايرن ميونخ، وأمنيتي أن نتعلم من شخصية "القيصر" كيف نتواضع ونكسب الجميع من خلال نكران الذات والتركيز على الأهداف التي تسجل باسم الفريق بعيداً عن النرجسية وحب الظهور .. وعلى منصات التفاني نلتقي.