شهرالإعلان
سألني عن تزايد الإعلانات في رمضان، فأخبرته أن المعلن يبحث عن الجمهور وهو يعلم أن الجماهير تتكاثر أمام شاشات التلفزيون في رمضان، ولكنني أسجل للمرة المليون اعتراضي على زيادة المساحة المخصصة للإعلان عن الحدود المتعارف عليها عالمياً والتي يجب ألا تتجاوز 20 % من وقت البث، حيث يمكن رفع قيمة المساحة الإعلانية لتحقيق الأرباح. وقد كتبت مراراً عن أرقام قياسية لقيمة الثواني الإعلانية تبعاً لشعبية بعض البرامج والأحداث التي تتصدرها المناسبات الرياضية.
إن من احترام المشاهد أن تلتزم القنوات بمواعيد البرامج، ولكنها بسبب الزحف الإعلاني تضرب بوقت المشاهد وإحساسه عرض الحائط، فالإعلان أهم من حقوق المشاهدين في مجتمع تعود أن يتلقى الصفعة تلو الأخرى دون أن يتذمر علناً، حيث يكتفي بالنقد في المجالس دون اتخاذ خطوة تجبر المحطات على تغيير سياساتها الإعلانية العشوائية، حيث لا يوجد معنى لتكرار نفس الإعلان عشر مرات في ساعة واحدة، بينما يمكن مضاعفة سعر الإعلان خمس مرات وعرضه مرتين فقط تكفل متابعة المشاهد وعدم تشتته في زحمة الإعلانات الجيدة والرديئة.
والحديث عن جودة الإعلان يدفعني لرفع القبعة لشركة "موبايلي" على الحس الوطني الموجود في إعلان الشاب السعودي الذي تسلق قمة إيفرست وغرس الراية الخضراء وسجد شكراً لله، لتخليد لحظة لا تنسى وإعلان ولا أروع. وهنا مدخل آخر لنقد سياسة القنوات التلفزيونية، فمثل هذا الإعلان كلف الكثير فكرة وتنفيذاً، والشركة مستعدة لدفع مبالغ أكبر لضمان بروز الإعلان دون مزاحمة من إعلانات بدائية تفتقر للإبداع ولكنها تفسد ذائقة المشاهد وتصرفه عن مشاهدة الفقرة الإعلانية وبذلك يخسر الجميع.
قد يعتقد البعض أنني أطرق موضوعاً لا يشكل أهمية كبرى، ولكنني أنظر للأمر من زوايا مختلفة تؤثر على المجتمع بشكل خطير، فحال الإعلان في رمضان يؤكد ثلاث حقائق تعكس حالاً لا يسر الغيورين، أولها أن المال هو الأهم ولذلك فإن أي معلن يدفع المال سيجد المساحة الإعلانية وسيأتي اليوم الذي تضيع فيه المواد الإعلامية في زحمة الإعلان، وبالتالي ستتغير مفاهيم الإعلام وتحكمه المادة التي قد لا تتوافق مع المبادئ والأهداف. والثاني أن المواعيد ستتغير بسبب الزحف الإعلاني مما يزيد من سلوكنا السلبي في عدم احترام المواعيد، حتى أصبحنا نصف الدقة بالمواعيد بـ "الإنقليزية" رغم أنها من أهم سمات الإسلام والمسلمين، والثالث أن الرضوخ للأمر الواقع دون مقاومة يعزز سلوك الاستسلام والاتكالية الذي وصف به اليهود قديماً بأنهم يعطون خدهم الآخر لمن صفعهم، وقد تغير اليهود وأصبحوا الأقدر على صفع الجميع وبمباركة الجميع.
لا أدري كيف نحتج على سياسة الإعلان في رمضان ولكنني أتمنى ألا نسكت عليها لأن أبعادها أخطر بكثير من تزايد وتكرار الإعلان..وعلى منصات التصحيح نلتقي.