المقال الأخير
أرجو ألا يفرح كثيرون بعنوان المقال ظناً منهم أنني سأتوقف عن كتابة هذه الزاوية التي أتنفس من خلالها، فالحكاية باختصار أنني أقتدي بأستاذي "غازي القصيبي" الذي كتب رسالته الأخيرة مقتدياً بأستاذه "المتنبي" الذي كتب قصيدته الأخيرة لسيف الدولة، والجميل أن المتنبي والقصيبي عادا وكتبا، وأرجو ألا تكون هذه مقالتي الأخيرة لسيف الإدارة والكلمة.
أكتب المقال الأخير شاكراً لراحل لا تكفي في شكره المعلقات، فالوطن شاهد قبلي على أنه أكثر الإداريين إخلاصاً ونزاهة وإبداعاً، وهي صفات يندر أن تجتمع في مسئول غيره إلا من رحم الله، فكم من مسئول مبدع ولكنه أثرى بشكل مفاجئ يثير علامات الاستفهام، وكم من نزيه جلس على كرسي المسئولية وقام عنه دون أن يغير في الواقع الأليم الذي كلف بتغييره، وكم من مخلص يقضي الساعات الطوال في العمل ولكن دون إنتاجية تذكر، ولكن "القصيبي" كان فارس الإدارة إخلاصاً ونزاهة وإبداعاً.
أكتب المقال الأخير منادياً وزارة العمل بالإقتداء بشركة "سابك" التي تحدثت في المقال الماضي عن وفائها، والوزارة أولى بخطوة مماثلة حيث أنهكت صحة الوزير وأثقلت كاهله كما لم تفعل أي من مسئولياته الجسام التي سبقتها، بل إنني سمعت من كثيرين أن ما بناه "القصيبي" من سمعة وإنجاز في مسيرته الحافلة، خسره في وزارة العمل التي تسببت قراراته الحاسمة فيها في غضب الكثيرين، ولكنه في رأيي المتواضع كان الجراح الماهر الذي يوجع مؤقتاً من أجل شفاء مستقبلي يستحق الألم الحالي، ولذلك أطالب وزارة العمل بإنشاء مركز تدريب عالمي يحمل اسم رائد السعودة ونصير الشباب.
أكتب المقال الأخير مذكراً بقول المصطفى عليه السلام: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"، راجياً من كل محب لفقيد الوطن أن يتصدق عنه في هذا الشهر الفضيل، ولعلي أقترح على القادرين أن يساهموا بالتبرع الشهري عبر جوالاتهم للجمعيات الخيرية التي فعلت تلك الخدمة، فلن يضيركم 12 ريالاً شهرياً تنوون أجرها لرجل قضى جل عمره في خدمة الوطن الذي ننعم بالعيش فيه. أما العلم الذي ينتفع به فموجود في كثير من كتب الفقيد التي ستعم فائدتها بشرائها وتوزيعها ونشرها، ولست بحاجة لتوصية أبنائه بالدعاء له وإن كان كل الشعب يدعو له.
أكتب المقال الأخير معتذراً عن تقصيري في الوفاء تجاه أستاذي الذي سأظل أردد أسمه في ثنايا المحاضرات والمقالات، وسأظل أستشهد بسيرته العطرة على أمل أن يهب الله لهذا الوطن نماذج مشابهة وهم كثر تخدم وتعطي الوطن أكثر مما تأخذ منه، فقد تعب المواطن من مسئولين يتفننون في الفساد، فأصبحت أمنية المواطن أن كل المسئولين "قصيبي".. وعلى منصات القصيبي نلتقي...