المونديال والبعد السياسي
أعرف تماما أن المونديال انتهى لكن القراءات الفنية والإعلامية والسياسية والاقتصادية لهذا المونديال لن تنتهي.
ـ فإسبانيا حققت اللقب عن جدارة واستحقاق، وفي المقابل أظهرت البطولة مستويات فنية متباينة، وأظهرت أيضاً حجم اهتمام ومتابعة زعامات وقيادات سياسية خاصة من الذين حضروا وأظهروا حجم تفاعلهم مع منتخبات بلدانهم مع هذا الحدث الرياضي، حتى بلغ هذا الاهتمام أروقة قمة العشرين الاقتصادية في كندا التي جاءت متزامنة مع هذا المونديال.
ـ يقول إبراهيم دهاني، وهو كاتب مغربي يعمل في صحيفة (أخبار اليوم المغربية): أن كرة القدم باتت ظاهره سياسية أكثر بكثير من كونها تظاهرة رياضية عالمية يقاس بها ومن خلالها وعي الشعوب والأمم وثقافاتهم وحجم تفاعل هذه الشعوب مع منتخبات بلادها، لدرجة أصبح فيه المونديال متنفساً واسعاً لكثير من الشعوب يخرجها من مآسيها وكوارثها وتقاطعاتها السياسية وأحزانها وسط واقع مرير من الحروب والتقتيل والجوع والجرائم والترهل الأمني.
ـ أصبح المونديال ودورات الألعاب الأولمبية مقياساً أيضاً لنسبة المواطنة والوحدة لدرجة يصف فيها الكاتب أن رئيس الدولة هو (مدرب منتخب الوطن) وطاقمه التقني (الحكومة) ولاعبيه هم (الشعب).
ـ فرنسا (مثلا) خرجت مبكرة وفي المراحل الأولى، وكان يجب أن تخرج لأن خروجها كان انعكاسا لأزمة سياسية حادة ألقت بظلالها على بلد الأنوار، فقد كانت الأزمة السياسية وسط الشارع الفرنسي قبل التوجه إلى جوهانسبيرج، وقبل أن يشتبك لاعب مع مدرب بعد تبادل كلمات سوقيه ونابية تجاوزت حدود الآداب وصولاً إلى الشتيمة التي أطلقها مسئول فرنسي تجاه مواطن، إلى أن تفجرت هذه الأزمة في الملعب بين المدرب واللاعب مما زاد الطين بلة صعب معه احتواء الموقف.
ـ أما أزمة المنتخب البرازيلي، منتخب السحرة الذي أمتع العالم في منافسات عديدة فقد بدأت أزمته يوم أن شتم نجم البرازيل (رولاندو) رئيس الدولة عندما أسدى الرئيس البرازيلي لرولاندو نصيحة بالتقليل من وزنة.
ـ بقي أن أؤكد وطبقاً لما طرحه الكاتب المغربي أن انتصار المنتخب الإسباني أيضاً كان واضحاً من البداية دون أن يدخل المنتخب الإسباني في حسابات المحللين مع بداية انطلاق المونديال بحجم النسبة والقوة والحضور الذي أظهره المنتخب الإسباني في مراحل الحسم الأخيرة حتى تتويجهم باللقب.
ـ حيث كان واضحاً أن هذا اللقب هو نتاج الامتيازات والحوافز التي تنازل عنها لاعبو المنتخب الإسباني في مقابلاته الأولى تضامناً مع وطنهم ومواطنيهم الذين يمرون بأزمة اقتصادية مزمنة، وهو ما يؤكد أحقية الشعب الإسباني بأكمله بالبطولة، وأن إسبانيا لم تكن تلعب بلاعبيها الأحد عشر فقط وإنما بنفوس الشعب الإسباني قاطبة، وهو ما يعني أن الإسبان لعبوا بروح المواطنة والتفاعل مع قضايا وطنهم، وهو أحد الدلالات والمضامين السياسية التي دفعت إسبانيا لتحقيق بطولة كأس العالم.