فلا نامت أعين الجبناء
يُحكى أن غانـدي كان يجري بسرعة للحاق بقطار... وقد بدأ القطار بالسير، وعند صعوده القطار سقطت من قدمـه إحدى فردتي حذائه فما كان منه إلا خلع الفردة الثانية وبسرعة رماها بجوارالفردة الأولى على سكة القطار .. فتعجب أصدقاؤه وسألوه ماحملك على مافعلت؟ لماذا رميت فردة الحذاء الأخرى؟ فقال غاندي الحكيم: أحببت للفقير الذي يجد الحذاء أن يجد فردتين يستطيع الانتفاع بهما، فلو وجد فردة واحدة لن تفيده ولن أستفيد أنــا منها أيضا. هذا غاندي المناضل الشهير الذي يصنف صفات الرجل على أنها من الممكن أن تتغير نحو النقيض (إلا الجبان لايمكن أن يكون شجاعا)، قصته هذه أعجبتني وتدل على شجاعة أخرى غير شجاعة المواجهة والصمود، فالشجاعة أيها الأحبة هي الإصرار على فضائل القلب – أعرف أن التعريف مبهم قليلا خصوصا على بعض أصحاب القدرات العقلية البسيطة والسطحية – لا أحد يسقط على أحد وبالذات ممن يجيدون (العزف) على أوتار الفرقة والبغضاء بين المتحابين.. لمرض عضال في نفسه يصعب علاجه حتى لو أحضر شهادات طبية تقول بأنه (معافى) أو من أولئك الذين يساقون سوقا من أطراف خارجية (مختبئة) خوفا تجيد تسخير الأقلام المأجورة نحو ما تريد.. وهم بذلك يعرضونها لدروب الردى والمهالك دون أن تشعر بذلك.. لو مسكت تيسا وقربته من نار تضطرم فإنه سيتراجع القهقرى ولن يقترب حتى لو شددته بكل قوتك نظرا لغريزة البعد عن الخطر المحدق، في حين أن البعض يفتقد لتلك الخاصية الموجودة عند بهائم الأنعام. من الشجاعة أن الإنسان وهو بكامل قواه (العقلية) حين يقدم على أمر يرى فيه صلاحا له وصحة في توجهه، فمن العيب أن يتراجع عنه خوفا وجبنا من ردة فعل أخرى، ومن الشجاعة أن الرجل حين يريد أن يدافع عن حق له يراه ألا يختبئ خلف أشياء أخرى وأن يظهر بطريقة (على المكشوف والناس تشوف)، ومن الشجاعة في الرجال تحديدا إن تأكدوا من صحة مواقفهم ووضوح حقوقهم ألا ينزلقوا نحو مزالق الردى ولايستخدموا لغة الشتم والتدليس، فلا يشتم إلا مفلس ولا يضلل إلا ظالم، وعيب على البشر أن يضحكوا على النعامة حين يرونها تدفن رأسها بين الرمال ظنا منهم أنها (خائفة) من مطارد، وهم الذين يغمضون عيونهم متوهمين أنهم إن لم يروا مصدر الخطر فإنه لن يراهم.
أخيرا يحق لنا أن نقول: مرحى للشجعان (من نوعية غاندي) ولا نامت أعين الجبناء.
الهاء الرابعة
يَـرَى الجُبَناءُ أَن العجز عَقلٌ
وتـلكَ خـديعةُ الطّبع اللئيم
وكُلُّ شَجاعةٍ في المَرء تُغنِي
ولا مِثلَ الشّجاعة في الحَكِيمِ
وكـم من عائِبٍ قَولاً صَحيحً
وآفَـتهُ مِـنَ الـفَهمِ الـسّقِيمِ