(مواهب تنتظر الدفن)
قبل سنوات خلت كنت أقطن في المنطقة الشرقية وأعمل في إحدى أكبر المدارس الابتدائية بمدينة الدمام وكان يزاملني في نفس المدرسة رياضي شرقاوي (عتيق) وصل الشيب إلى مفارق شعره وهو مازال كما كان صبيا يافعا ورجلا نشيطا يؤدي أمانة عمله بكل اقتدار وهو مدرس الرياضة الأول فيها بل وإنه قضى أكثر من عقدين ونيّف في ذات المدرسة وقد تعاقبت عليه أجيال وأجيال من اللاعبين المهرة وتخرجت على يديه العديد من المواهب التي وصلت للمنتخبات الوطنية وسجلت لنفسها شرفا رياضيا كبيرا
حدثني ذات صباح وملامح الوجوم بادية على محياه وقد أكلت بعض بشائر السرور التي تميزه مع إشراقة كل شمس يقول لقد تغيّرت الأمور يا صديقي في الماضي لم تكد تمر فترة بسيطة إلا وتشاهد في هذه الساحة المخصصة لحصص التربية الرياضية وكرة القدم تحديدا مندوبين عن أندية الاتفاق والنهضة وأحيانا القادسية وبعضا من الكشافين المعروفين وضرب مثلا بأكثر من اسم ذائع الصيت في المنطقة
وكان هؤلاء يتبارون بالظفر بالمواهب الصغيرة وإنهم يستأنسون برأيه الفني ويأخذون كلامه على أنه فصل لا جدال بعده فخبرته الطويلة وتجاربهم السابقة معه تجعلهم يسيرون كما يريد فهو (متطوع) في ذلك ولا يأخذ أتعابا على ما يقدم وكل ما يفعله ينصب برغبته الصادقة في خدمة مهنته ووطنه ومواهب يخشى عليها الاندثار
ثم يردف قائلا: بعد أن أخرج زفرة حرى بأن ذلك من الزمن الماضي الجميل وأن هذه الأندية لم تعد تهتم بل إنهم وعلى حسب كلامه لا يعيرون المواهب التي يرسلها أي اهتمام
حاليا وفي العاصمة الرياض وفي المدرسة التي أعمل بها يوجد نسخة مصغرة (في العمر طبعا) من صديقي الشرقاوي وهو الزميل العزيز عبد الله القحطاني والذي حدثني صباح الأمس عن موهبتين في المدرسة وطلب مني أن أحضر لأشاهد أحدهما وقد أثنى كثيرا عليهما – وأنا أثق في قدراته كثيرا فهو مجتهد في عمله ومخلص فيه بدرجة امتياز
وقد سألني كيف تهمل الأندية مثل هذه المواهب؟ رغم أنها بارعة جدا وتفوق عمرها الزمني بل إن أحدهم يتمتع ببنية جسدية هائلة رغم صغر عمره
قلت له: هذه المواهب تنتظر الدفن فأنديتنا جميعا تعشق المواهب (المبسترة)
الهاء الرابعة
وانتحينا معاً مكاناً قصياً
نتهادى الحديث أخذاً وردّا
سألتني مللتنا أم تبدلت
سوانا هوىً عنيفاً ووجدا
قلت هيهات! كم لعينيكِ عندي
من جميلٍ كم بات يهدى ويسدى